- جوهر الدين عدم تبديل خلق اللّه -
قبل الدخول في الموضوع علينا أن نعي قاعدتين مهمتين أثناء استماعنا لمفهوم خطاب القرآن ، القاعدة الأولى هي أن القرآن ميسّر وواضح وسهل الفهم و لايحتاج منك إلا أن تستمع له و تبحث عن مدلولاته في واقعك ولا تحتاج لأي واسطة بينك و بينه مهما كان هذا الوسيط ، القاعدة الثانية هي بمثابة شرط عليك أن لا تتجاوزه وهي أنّ القرآن هو من يفرض خطابه ومفهومه عليك و ليس أنت من تفرض خطابك عليه .
[فأقم وجهك للدّين حنيفا فطرة اللّه التي فطر النّاس عليها ، لا تبديل لخلق اللّه ذلك الدين القيّم و لكن أكثر النّاس لايعلمون] 83 -النحل- .
الآية تطلب من المخاطب أن يقيم وجهه للدّين حنيفا و بأنه دين من فطرة الناس التي فطرت عليها ، و أكيد أن الدّين الذي يطالب به القرآن هو دين الإسلام ...مصداقا لقوله تعالى :
[إن الدّين عند اللّه الإسلام ] .
الآن ، تأتينا عبارة أخرى داخل الآية تقول "لاتبديل لخلق اللّه ذلك الدين القيّم و لكن أكثر النّاس لايعلمون"
أكيد أن الدين ليس مخلوق يخلق حتى تقصده العبارة ، العبارة واضحة تقول بنبرة قاعدة موجهة للقارئ ، القاعدة تقول "لا تبديل لخلق اللّه" تأتي بصيغة قاعدة ناهية كأن اقول لك "لا للقتل الناس " أو أقول لك "لا لشرب الدخان " ..
القاعدة تقول "لا تبديل لخلق اللّه" كقاعدة ناهية عن تبديل خلق اللّه ، ثم تذكر بعدها "ذلك دين القيّم ولكن أكثر النّاس لا يعلمون" .
أوّلا علينا معرفة مفهوم كلمة "دين" وهي كلمة معلومة وواضحة وهي بنفس معنى كلمة الدَّين المعروف ولا خلاف عليها بكسر الدال أو فتحها ، يذكر أنه حتى في الكلام المحلي الذي ننطقه في بلدي لا نقول "دَين" بل نقول "دِين" وكلاهما بنفس المعنى ، و المعروف أن الدين كتعريف عام هو أن يدين شخص لشخص آخر بدين معيّن و تكون تأدية ذلك الدين بالتعهد بتقديم شيئ معيّن أو بالقيام بعمل معيّن أو الإمتناع عن عمل معيّن ، فمثلا لو أنت تؤجّر بيتك فالمستأجر مدين لك بأن يعطيك مبلغ معين كحق الإيجار كما أنه عليك أنت كصاحب البيت أن تمتنع في إستعمال ذلك البيت وتتركه لصالح المستأجر ..وهكذا .
المعروف أن الدين الذي نكنّه لله يستقيم على عدة شروط هذه الشروط موجودة داخل القرآن بعدّة أوامر و نواهي ، أبرزها وأوّلها هو الإيمان باللّه و عبادة اللّه ، فالإيمان هو أن تؤمن بوجود إلاه واحد لا شريك له ، وعبادة اللّه تكون بأن تطيع أوامره و تجتنب نواهيه كأن تكون عبدا بمعنى الكلمة للّه ، و العبد هو ذلك الشخص الذي ينفذ أوامر مولاه دون مناقشة أو اعتراض ...فكذلك أوامر اللّه ونواهيه هي عبارة عن دَين يجب على كل شخص يؤمن باللّه أن ينفذها و يأتمر بها كالعبد الذي ينفذ أوامر مولاه ، فاللّه عندما خلقك وخلق لك هذا الكون وضع لك شروط هي بمثابة دين لك عليك أن تؤديها .
وبالتالي فإن الدين القيّم حسب الآية الذي هو بمعنى جوهر الدين في كامل قيمته ، يندرج في قاعدة و شرط على أي عبد يعبد اللّه أن لايخالفها ألا وهي "عدم تبديل خلق اللّه" بنهي واضح يخاطب جميع المسلمين "لاتبديل لخلق الله ذلك الدين القيّم" ، فاللّه عندما وضع لك هذا الشرط لم يضعه تعسّفا و لا مغالاتا ولا ظلما لك بل هو في مصلحتك ، اللّه قد خلق كل شيئ موزون وهو يعلم أنه قد جعل لكل عنصر من عناصر خلقه دوره في هذا الكون ، وتبديل دور أي مخلوق من مخلوقاته بخلق آخر حتى و إن كان يملك نفس الدور من شأنه أن يأتي باختلال الميزان و بالتالي وقوع الفساد على العباد و الكون و ذلك ليس في مصلحة الإنسان .
اليوم الإنسان في عصرنا هذا يعيش في وسط كون كبير ، لكن بالمقابل لا يعي دور الكائنات المحيطة حوله ، لا يعي دور الآلاف من أنواع الأشجار و الحيوانات التي حوله بل لايعي حتى جميع قدرات جسمه و عقله الطبيعية ، هناك من النعم التي خلقها اللّه حوله ما لايعد و لايحصى لكنه يحس نفسه غريب عنها أو هي غريبة عنه لأنه لايستطيع تسخيرها و ترويضها و تطويعها لصالح منافعه ، بالمقابل الناس اليوم هي في طريق استهلاكي يستهلك عدة عناصر نشأت منذ بداية ما يسمى الثورة الصناعية وتلك الآلات و الصناعات لم تولّد له سوى الأمراض و الأوبئة و اختلال الكون ونقص الثمرات و الانهار وووو تراجع عام بعد الآخر ، حتى أنه وصلت المواصيل لحد أن الناس أصبحت تأكل غذاء مصنع يتم التلاعب بكيله و تراكيبه التي تنشا طبيعيا بتراكيب اخرى صناعية تسرع في نموه بمقابل انها تؤذيه و تؤذي نموه و قوته الطبيعية ، يستعمل آلات تعمل على الذبذبات التي تفتك بخلايا العقل و الجسم بمقابل انه خلقه الله في احين تقويم ويملك من القدرات مالايملكها اي مخلوق لو عاد لأول قوته ، و العديد من العذاب و الفساد الذي نمارسه على دماءنا و صحتنا وصحة من حولنا و نقتل انفسنا بأنفسنا دون ان نشعر .
وبالتالي فإننا خالفنا أهم دين علينا اتجاه عبادة الله و هو تبديل خلقه ، وهذا كله منذ بداية مايسمى الثورة الصناعية التي فتنت الناس بمنتوجاتها ، فانهالت الناس حولها وحول مفاتنها بمقابل أنها تقودها إلى الجحيم البطيئ الذي لايشعر به الناس لكنهم سائرون نحوه ، فالإنسان الذي يبدل نعمة غذاء الله الطبيعية لم يجني من ذلك إلا الأمراض بمقابل أنهم يصنعون له الأدوية الكيمياوية التي سببتها نفس تلك الثورة الصناعية بل وحتى تلك الكيمياويات لم تأتيه إلا بامراض جديدة ، فدخلت الناس في متاهات أخذت صحتها النفسية قبل الجسدية .
هذا هو أهم دين علينا اتجاه عبادة اللّه و إلا فإننا انحرفنا و نحن نقود أنفسنا إلى الهلاك بسبب إفتتاننا بصناعات تلك الشياطين الإنسية التي تعرف نعمة الله و تنكرها و تبدلها .
[يعرفون نعمة اللّه ثم ينكرونها و أكثرهم الكافرون] 83-النحل-.
لقد تم فتننا بالثورة الصناعية وانحرفنا عن عبادة الله و دين الله و لكن أكثرنا لا يعلم ..
[إن الذين فتنوا المؤمنين و المؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم و لهم عذاب الحريق ] البروج .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق