من هم الروم ؟ - بحث واقعي بعيد عن كتب الطاغوت-
المشكلة التي يقع فيها جميع الباحثين في الجانب التاريخي تتعلق بالدرجة الاولى في إعتمادهم على النقل في قراءة التاريخ ، بحيث أنه تواجههم صعوبة كبيرة في استعمال الجانب العقلي التحليلي لكل ماورد من المصادر التي يتكلون عليها في استسقاء بحوثهم ، ومعظلتهم الأولى هي وجود ذلك الكم الكبير من الكتب الذي يجعلهم يسحرون من الرد أو التعاطي في إمكانية صدق او كذب معلومات تاك المصادر ، من جهة أخرى و كجانب علمي وعقلي فإن الدارس للتاريخ المفروض أنه يربط بين واقعه اليوم وكل ماورد في تلك الكتب ، لأنه من المستحيل أن يكون هناك إنقطاع بين الماضي التاريخي و الواقع اليوم ، وهو ما سنحلله حول موضوع "من هم الروم" إستنادا إلى الواقع العقلي والعلمي البسيط و المفهوم ....
أول مشكلة يواجهها الباحثون لجانب تاريخ الروم هو خلطهم بين اليونان و الروم ، هذا الفكر تولد لدى الباحثين كون الجانب التاريخي يخلط دائما بين الروم و اليونان و تحاول المؤلفات أن تجعل من الروم واليونان حضارة منصهرة تارة ومنفصلة تارة اخرى ، والحقيقة أن اليونان لا علاقة لهم بالروم لا من الجانب التاريخي ولا من الجانب الواقعي .
المفروض أنه عند دراسة أي جانب تاريخي التركيز يكون بالدرجة الأولى على معاني الأسماء و الكلمات ، فالتسميات لها مدلول كبير على الذاكرة الحاملة لتاريخ الشعوب .
دعونا بالأول نبحث لسانيا في معنى إسم الروم ولماذا لقب هذا الشعب بالروم ومن هم الروم واقعيا اليوم ؟؟
الباحثون في المجال التاريخي من المصادر المعتمدة يحاولون ربط إسم الروم بتلك القصة الأسطورية التي تربط هذه الحضارة والشعب بالتوأمان الذان يدعيان "روميوس" و "ريموليوس" بحيث تذكر الميثيولوجيا بشكل خرافي ولادة هاذان الولدان لأب يدعى "مارس" وحسبهم هو إله الحرب ولأم كاهنة تدعى "ريا" سيليفيا ثم تذكر أنه أرضعتهما الذئبة ، بحيث تجعل هذه الرواية أن أحد الأخوان الذي هو رمولوس كان أول ملوك روما في القرن الثامن قبل الميلاد ، وكتلميح على أن إسم "روموـ لوس" و "روم ـ وس" هما الإسم الذي أُشتق منه إسم روما ، وفي الحقيقة أن هذه الرواية رواية لاأساس واقعي لها كونها تعتمد على كلام خرافي و هدفها التغطية عن معنى إسم الروم صراحة ... لأن إسم الروم إسم عربي .
مثل مايعلم الجميع أن إسم الروم إسم ذكره القرآن ، و القرآن بصحيح العبارة يذكر بأنه بلسان عربي مبين ، وبالتالي فإن كل كلام القرآن هو بلسان عربي ، وعندما يذكر لك القرآن إسم الروم كإسم لقومية او شعب معين فتعبيره يكون دالا على أن التسمية تخص هذا الشعب ، ومثل مايعلم الجميع و بقاعدة معلومة فإن التسمية دائما ماتتبع خصائص وصفات الشيئ المسمى به ، وبالتالي فإن تسمية هذه القومية أو الشعب أو الدولة التي ذكرها القرآن في نبوءة الروم تتبع صفة تخصهم .
• ما معنى إسم الروم عربيا ؟
الباحث في القواميس والمعاجم سيجعل الشخص يتيه في البحث عن معنى كلمة"الروم" ، بحيث أنك تجد عدة معاني تصب في نفس معنى الكلمة دون الوصول إلى نتيجة و معنى واحد متفق عليه ، المهم انك لاتجد معنى واحد اتفق الإصطلاح عليه .
عند البحث داخل اللسان العربي المتداول إلى اليوم نجد أن الكلمة الأقرب لكلة الروم هي كلمة "يُروِّم" و نطلقها سواءا في الكلام الشعبي المتوارث ، أو حتى في المصطلحات العربية المتداولة حول عملية ترويض شيئ لصالح شيئ أخر بحيث تجعله يألفه ، فنطلق مثلا على عملية تبني خروف لصالح نعجة بعملية الترويم بحيث نجعل النعجة تقبل بإرضاع الخروف الذي لم تلده وتتآلف معه ، و نطلق على عملية ترويض الكلب بعملية الترويم بحيث نجعل الكلب أليف لصالح صاحبه ، هناك في بعض المناطق نطلق الكلمة حتى في الأمور البسيطة بحيث نسمي عملية إغلاق الباب بألفة دون قوة بقول "روَم الباب" بمعنى اغلقه بألفة دون إغلاقه بقوة وعنف ..وعموما من كل ملاحظاتنا لإستعمال الكلم في اللسان العربي الشعبي فإن أقرب مدلول لكلمة "ترويم" هو "الترويض" بحيث نلحظ وكأنمهما يعنيان معنى واحد والإختلاف كان في حرفي استبدال الضاد بالميم فقط (ترويم= ترويض)، بحيث أن المعنى الأقرب لكلمة "يروم" هو ترويض الشيئ وجعله متآلفا ..حتى في أسماءنا التي نتداول إطلاقها نجد مثلا إسم "رامي" وهو إسم عربي ومن المستحيل أن العرب تطلق إسم دون أن يكون له معنى ، فمعنى إسم رامي بالإقتران الإشتقاقي مع إسم "يروم" تعني الشخص المتآلف ولا علاقة للإسم بكلمة الرماية المعروفة ، فإسم "الرماية" هو الآخر المقصود به اتقان ترويض الشيئ الذي يُرمى بحيث يصيب الهدف دون خطأ وبمثل مايريده الرامي ، أضيف عبارة اخرى أيضا تتداول وهي "كل شيئ على ما يرام" و المقصود بما يرام هو ما يتآلف أي كل شيئ جيد على ما يُتآلف .
ـ الترويم = عملية ترويض شيئ لجعله متآلفا .
- يُرام = يُتآلف .
ـ يروم = يروضه ليجعله متآلفا .
ـ الروم = المتآلفون .
بحيث أن ذكر القرآن لتسمية الروم على هذه القومية و الشعب المقصود به هو كون هذا الشعب هو شعب متآلف ويقبل الإنصهار مع غيره من الشعوب عكس الشعوب العدوانية التي لاتعاشر ، بحيث أن وصفهم بالروم يعني أنهم شعب متآلف يقبل المعاشرة وليس شعب عدواني ...وبالتالي فإن كل النظريات التي تنسب الروم للشعوب العدائية التي عرفت بإستعمارها للمناطق العالمية إلى وقت قريب امثال بريطانيا وفرنسا هي نظريات خاطئة وناتجة عن الخلط بين اليونان و الروم .
من جهة أخرى لو نبحث أكثر في تسمية الروم نجد إسم آخر يطلق على نفس الشعب وهو إسم "الرومان" ، ولو نبحث بشكل دقيق في سبب إطلاق هذا الإسم سنصل لمن هم الروم حقيقة .
قبل الحديث عن سبب التسمية الثانية "الرومان" التي أطلقت على الروم ، نجد فيما نسب للتراث الإسلامي من أحاديث كون الروم أطلق عليهم تسمية "بنو الأصفر" كحديث يذكر بأن هناك معركة ستحدث بيننا وبينهم ، وحين تبحث عن سبب منطقي لتسمية الرسول (ص) لهذا القوم ببني الأصفر لاتجد أي تعريف واضح سوى أن سبب التسمية أقرنوه للونهم الأشقر ، مع أنه الشعب الذي لون بشرته صفراء هم الصين ، كما أنه لايوجد شعب بلون اشقر بل يوجد شعوب لون شعرها اشقر وشتَانا بين لون الشعر والبشرة ، هذا الحديث هو حديث مدسوس نسب صفة بنو الأصفر للروم للتغذية عن حقيقة من هم الروم صراحة ، لأنه ببساطة لايمكن للقرآن أن يصف قوم معين بأنهم متآلفون ومتعايشون (الروم) ثم يأتي حديث يقول أنه سيكون بيننا وبينهم عداء ، من جهة أخرى فإن الروم لا علاقة لهم بالصين الذين هم من يجب أن نطلق عليهم بنو الأصفر كون بشرتهم صفراء .. الإسم الحقيقي الذي يجب أن يطلق على الروم هو إسم "بنو الأحمر" وهو نفسه الإسم المرتبط بتسميتنا لهم ب"الرومان" ، فإسم الرومان حقيقته هو أنه إسم أصله أشتق من كلمة "الرمان" وقد أطلقنا على شعب الروم إسم الرومان كون بشرتهم المائلة بين الإحمرار والبياض تشبه لون ثمار الرمَان الذي لونه مائل إلى الأحمر ، وعند البحث عن الشعب الذي لون بشرته حمراء مائلة للون الرمان نجد شعب روسيا أو جمهوريات الإتحاد السوفياتي سابقا ، بحيث أن جل سكان أقصى شرق أوروبا من الروس والأرمن لون بشرتهم هو اللون الأحمر الذي يميل للون الرمان ..لذلك الناس قديما أطلقت عليهم إسم الرومان المشتق من إسم ثمرة الرمان ، كما أن الإسم الذي يتحدث على أن سكان إسبانيا أو الأندلس سابقا هم بنو الاحمر هو رواية مضللة تهدف إلى إبعاد الناس عن حقيقة أن الروم هم بنو الأحمر و لتكرس فيهم مكنون لحديث السابق على أن الرومان هم بنو الأصفر .
"ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين " 22ـ سورة الروم ـ .
الآية هذه آية قرآنية تدلك على أن اختلاف الألوان لبشرة الشعوب هو آيات ودلائل لمن يريد البحث في حقيقة الشعوب ، ولاشك أن الناس قديما أطلقت على الروم إسم الرومان نظرا لبشرتهم الحمراء التي لونها من لون ثمرة الرمان ، وهم نفسهم بنو الأحمر وليسو بنو الأصفر .
الآن ننتقل إلى المعنى المقصود في الآية القرآنية التي تتحدث عن نبوءة ذكر الروم ....
[ألـم (1) غُلِبَت الروم (2) في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون (3) في بضع سنين لله الأمر من قبل و من بعد ويومئذٍ يفرح المؤمنون (4) بنصر اللّه ينصر من يشاء وهو العزيز الرّحيم (5)] سورة الروم .
في تفسير هذه الآية إلى حد يومنا هذا هناك فريقان ، فريق يعتمد على ماوصله من كتب التراث التي تنسب لتاريخ الإسلام ، وهناك فريق ثاني ظهر مؤخرا يعتمد في تفسير الآية من منظور آخر مغاير لما جاءت به كتب التراث ..
الفريق الذي يعتمد على كتب التراث يقول بأن الآية تتحدث عن حادثة أكل عليها الزمن وشرب ، وباختصار يتحدثون على أن الروم خاضو معركة مع الفرس وانتصر الفرس على الروم ثم بعد سنين تغلبت الروم على الفرس وفرح بعدها المؤمنون لهذا الإنتصار لأن الروم مسيحيين وهم من أهل الكتاب عكس الفرس ...وحقيقة فإن هذا الفريق قد بلعوا طعم إلغاء نبوءات القرآن بل وجعلو من سورة كاملة بإسم الروم بدون أي معنى ، حيث أصبح المسلمون يتبعون تلك الآيات كونها مجرد آيات يمكن إدراجها في درج الأرشيف كون حادثتها فاتت ولم يعد لها أي وجود اليوم ، و كأنهم جعلوا من آيات القرآن مجرد آيات أرشيف أنزلها الله لكي نقرأها ونتلوها فقط ، بتفسيرهم ذاك جعلوا تلك الآيات لاتعني للمسلم اليوم أي شيئ ، بل جعلو تلك الآيات بعيدة كل البعد عن واقع اليوم المطلق وأصبحت مجرد قصة يمر عنها المسلم للإستماع وفقط ...والحقيقة أن تلك لاآيات هي آيات لنبوءات لم تحدث بعد لأن القرآن بآيات صريحة وواضحة يقول للمسلمين وبشكل مباشر أنه نبوءات ، أي أحداث مستقبلية لم تحدث بعد ، وتوجد آيات عديدة تشير إلى ذلك .
"إن هو إلا ذكر للعالـمين ـ ولتعلمن نبأه بعد حين " الزمر الآية 87-88 .
وبالتالي فإن هذه الحادثة التي تتحدث عن إنغلاب الروم ثم عودة النصر لهم وفرحة المؤمنين بذلك هي آيات تتحدث عن حدث لم يحدث بعد ، إنما هو نبوءة ستحدث في زمننا هذا .
الفريق الثاني يؤمن بتفسير الآية على أنها نبوءة لم يقع حدوثها بعد ، لكنه يواجه مشكلة في خلطه بين الروم وبين دول الغرب التي هي اليوم متمثلة في أوروبا وبريطانيا وفرنسا وأمريكا وباقي دول الرأسمالية التي مارست إحتلالها على كل العالم بشكل بشع ، بحيث يواجه صعوبة في فهم ذكر القرآن لإنتصار الروم وفرحة المؤمنين بالنصر ، والسبب الرئيسي هو اعتقاده أن الروم هم الغرب ، والحقيقة ان الروم ليست الدول الأوروبية ولا امريكا ولافرنسا ولابريطانيا ولا كل التاريخ الذي يتحدث على الروم ..هذا الشيئ جعل هذا الفريق يتجه إلى فرضيتين ، الفرضية الأولى جعلتهم يظنون بأن الاية "غُلبت الروم وهم من بعد غلبهم سيَغلبون " بأن فيها خطأ في تشكيل كلمتي "غلبت" و "سييغلبون" وحسبهم فإن الأحق أن تنطق الكلمة "غلبت" بفتح الغين وليس ضمها أما كلمة "سيغلبون" فحسبهم فإنها تنطق بضم الياء ، جاعلين تشكيل الآية عرض الحائط فقط من أجل أن تتلائم مع أهواءهم لأنهم يضنون بان الروم هم أعداء المنطقة التقليديون المتمثلون في أمريكا وفرنسا وبريطانيا وأن الذين سيغلبونهم هم نحن في نبوءة هذه المعركة ، لكن الحقيقة أن الروم ليسو نفسهم الغرب ، سمي الغرب بالإغريق او اليونانيين أو أي إسم آخر لاتسمهم فقط بالروم لأن لاروم إسم صفة لاينطبق عليهم فالمعروف أن تاريخ الغرب كله احتلال وغدر بالعهود واثارة النزاعات والحروب من أجل نهب ثروات العالم ، ولايليق إسم أن ينعت بانهم الروم المتألفون.
أما أصحاب الفرضية الثانية في الفريق الثاني فيضنون أن كلمة "سيغلبون" التي جاءت بعد عبارة إنغلاب الروم تعود على المؤمنون ، لكن هذا لايستقيم إطلاقا ، فالله ذكر أن الروم غُلبوا فكيف يذكر بعدها أنهم سيُغلبون مرة ثانية ، الآية واضحة فهي تذكر إنهزام الروم ثم عودة الغلبة بهم بعد مدة ،هم خلاص أصلا غُلبوا فكيف نغلبهم مرة ثانية لو كانت عبارة سيغلبون تعود على نصرنا عليهم ؟؟ هذا الفكر نشأ لديهم لأنهم يضنون أن الروم هم عدو المنطقة التقليدي المعروف بالغرب ، و أنه لايوجد في هذه الأرض إلا نحن الذين سنغلبهم ، فجعلوا من مفهوم الآية مشوش ومختلط ليرضي منطقهم الذي لايستقيم إطلاقا مع خطابها ، مع أن الآيات تجيبهم إجابة واضحة بأن الله ينصر من يشاء ونصره لايكون مع المؤمنين فقط فالله رب العالمين وليس رب المسلمين فقط ، إنما النصر الذي سيحققه الروم سيكون في صالح المؤمنين فالروم هم أعداء عدونا التقليدي وكما يقال فعدو عدونا هو صديقنا ، بالإضافة إلى كل هذا من المستحيل أن يصف الله قوم بالمتألفين ثم يذكر أننا سنغلبهم نحن ..وهذا ماسنوضحه بشكل أكثر ...
ذكرنا من خلال تحليلنا بداية بأن كلمة الروم هي صفة لقوم متآلفون متعايشون وليسو قوم عدائيون يغدرون العهود والمواثيق أنهم ليسو نفسهم الغرب العدائيون ، وذكرنا أن وصف الرومان الذي أطلقه الناس قديما على الروم هو في حقيقته يعني ثمرة الرمان التي لونها يميل إلى الأحمر وذكرنا بأنهم هم بنو الأحمر الذين لون بشرتهم حمراء التي تشبه لون الرمان ، ومن خلال الواقع اليوم وجدنا أن سكان روسيا و أقصى شرق أوروبا عامة من الأرمن وباقي دول الإتحاد السوفياتي سابقا هم السكان الذين لون بشرتهم حمراء ، وبالتالي فإن الروم المقصودين هم دول الإتحاد السوفياتي .. دعونا الآن ننتقل للمحة وجييزة عن دول الإتحاد السوفياتي الذي هو المعسكر الشرقي المعروف بعداوته ونديته للغرب الرأسمالي ..
بداية صعود الإتحاد السوفياتي الذي لم تبقى منه اليوم إلى روسيا ، كانت بداية بوقوفه ضد المد الغربي الرأسمالي الممثل بأمريكا وحلفاءها الغربيين بعد الحرب العالمية الثانية ، حيث عرفت تلك الفترة بفترة الحرب الباردة التي كانت بداية صعود الشرق بقيادة الإتحاد لاسوفياتي لمواجهة الهيمنة الغربية بقيادة أمريكا و بريطانيا وفرنسا ، تميزت فترة الصراع تلك بتواجد المنطقة العريبة ودول الجنوب بصفة عامة تحت الإحتلاللين التقليديين المعروفين فرنسا وبريطانيا الذان يعتبران حلقة تابعة للمعسكر الغربي بقيادة أمريكا ، فيما تبنت دول العالم الثالث وهي دول الجنوب بالوقوف بعدم الإنحياز ظاهريا لكن حقيقة الامر أن هناك دعم كبير تلقته هذه دول من الإتحاد السوفيايت خصوصا في مجال التسليح سواءا أثناء مقاومتها او بعد استقلالها ، و الجميع يعرف أن نهضة مشروع القومية العريبة مع عهد جمال عبد الناصر كانت بدعم سوفياتي بدأت بتأميم قناة السويس ونزع اليد البريطانية الفرنسية من امتلاكها ، كما أنه حتى الحروب العريبة الإسرائيلية وقفت روسيا من ناحية التسليح أنذاك مع الجانب العربي ضد إسرائيل التي كانت تحت دعم أمريكي فرنسي بريطاني ...عموما فإن التخوف الغربي من تنامي قوة الإتحاد السوفياتي في مابعد خمسينات القرن الماضي ازداد بعد استقلال العديد من دول العالم الثالث وبداية حدوث التقارب بين الدول المستقلة المتحررة من الإستعمار البريطانوفرنسي وتوجهها نحو تقارب مع الإتحاد السوفياتي ،كل هده الظروف التي لاتصب في الهيمنة الغربية جعل الغرب يعد العدة لنوقف هذا المد السوفياتي وهو ما تم العمل عليه من طرف أمريكا وحلفاءها ، بحيث ومع بداية ثمانينات القرن الماضي بدأت النعرات الطائفية تفتل داخل جمهوريات الإتحاد السوفياتي خصوصا مع ظهور الجماعات المسلحة والدعم الذي تلقته الطوائف الدينية المتطرفة في الشيشان جراء شحذها باخذ الإستقلال عن الإتحاد السوفياتي وبداية ظهور القوميات التي طالبت يتفككها من الإتحاد السوفيايت ، وكل ذلك حدث بهندسة غريبة نفذتها أجندات تدعي حقوق الأقليات و حتى من الجانب الديني فإن إعتراف الجبير وزير خارجية السعودية الذي قال أن بلاده قد قامت بدور كبير لصالح بريطانيا والغرب للوقوف ضد المد السوفياتي وذلك باستعمال القوة الناعمة المتمثلة في الجانب الديني كما هو الحال في قضية الشيشان والجماعات المسلحة في جنوب الاتحاد السوفياتي وكذا بالشحذ لإسقاط أنظمة سياسية عرفت بتقاربها مع السوفيات ..كل هذه الظروف والمؤامرات أدت إلى سقوط الإتحاد السوفياتي وتفكك دويلاته وأنزل علم الاتحاد سنة 1991 وبدأت بعدها هيمنة غريبة بقيادة دول الغرب ابتداءا بأمريكا و بريطانيا وفرنسا تحت مايسمى النظام الدولي الجديد الذي يسيطر على كافة المجالات الدولية إحتكارا وعدوانا ، حتى أنه من الطرافة أن الناس أصبحت لاتفرق بين الولايات المتحدة الأمريكية والامم المتحدة .
الآن عندما نرجع للآية الكريمة التي تتحدث عن إنغلاب الروم ، فالروم بالمقارنة مع دول الشمال هم ذوو البشرة الحمراء وهم روسيا ودول الإتحاد السوفياتي سابقا و كما ذكرنا سابقا فإن علاقتهم مع المنطقة هي علاقة مصالح متبادلة دون الإخلاء بالعهود والمواثيق التي بيننا حتى انهم وقفو بتسليحهم معنا في عدة حروب أهمها تلك ضد اسرائيل فيما يسمى الحروب العربية ضد الكيان الصهيوني ، ثم تتحدث الآية على أن إنغلاب الروم كان في أدنى الأرض ، البعض يفسر أدنى الأرض بأنه في انهزام في الأراضي المنخفضة حيث يرى كلمة أدنى لأنه معاناها أخفض الأرض ، وهذا خطأ تماما فعبارة "في أدنى الأرض" تعني "في أقل الأرض" وليس "في أخفص الأرض" ، ويمكننا إستنتاج معنى كلمة أدنى في القرآن بشكل بسيط جدا ومضبوط :
(ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون ) ، هنا كلمة "أدنى" عكسها هو "أكبر" ، وبالتالي كلمة "أدنى" "تعني "أقل'' .
(إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من الثلث الليل ونصفه وثلثه ) ، هنا عبارة "أدنى من ثلث الليل " تعني "أقل من ثلث الليل" وبالتالي فكلمة "أدنى" تعني "أقل" .
المعركة التي هزم فيها الروم هنا ليست معركة سلاح ومواجهة مباشرة إنما هي إنهزام أدى إلى فقدان الإتحاد السوفياتي لثلث أراضيه وهي 15 دولة تفككت عن الإتحاد لم يتبقى منها إلا روسيا بالأسباب التي ذكرناها سابقا ...وبالتالي فهم قد غُلبوا في أقل أراضيهم دون سقوط أراضيهم كاملة .
ثم تذكر الآية أن الروم من بعد غلبهم سيَغلبون فترجع الغلبة لهم ثانية ، وهو مانرى نتائجه حاليا بالضبط حيث بعد 30 سنة من سقوط أراضي الإتحاد السوفياتي يعود هذا الإتحاد بقوته التي ظهرت عسكريا بنسبة كبيرة غب التفق من ناحية السلاح على الغرب ـ ونلاحظ أيضا بعض الشيئ عودة كلمتها سياسيا وبالتدريج ، وهو مارأينا بوادره قبل 5 سنوات بعودة قضية استعادة روسيا لأراضيها في شبه جزيرة القرم و هو مانلاحظه أيضا من المشاكل التي تختلقها اوروبا في أوكرانيا خوفا من عودة هذا البلد إلى الحضن الروسي وتمدده كما سابق عهده ، كلها أسباب ومؤشرات تشير إلى أن الروس الذين هم الروم تعود لهم الغلبة تدريجيا ويستعيدون مافقدوه جراء التآمر الذي واجهوه من الغرب الرأسمالي قبل ثلاثين سنة ، وهو ماسيكون لهم قريبا بالنصر الكبير الذي سيعيد لهم قوتهم الدولية وسيطرتهم على المستوى العالمي وسيستعيدون كل أراضيهم التي فقدوها وسيكون ذلك في مصلحتنا نحن دول عالم الجنوب لأن الغرب الرأسمالي لم يأتي إلا بهيمنته ومصالحه على حساب استقرار الشعوب وروسيا ستكسر تلك الهيمنة البشعة على العالم .
وتذكر الآية أن ذلك سيكون في بضع سنين بعد سقوط الإتحاد السوفياتي ، وهي الفترة منذ 1990 منذ سقوطه وتفكك دوله إلى غاية عودته وعودة الغلبة له وهو مانشهده خلال الأربع أو الخمس سنوات الأخيرة التي تنبأ بعودة قوته ندرييجا أفضل من العشرين سنة التي كانت فيها السيطرة لصالح الغرب ... ويأتي ذكر الآية بأن لله الأمر من قبل ومن بعد أي قبل انتصارهم وبعدهم لأن كل شيئ بيد الله ونصره ، ثم تذكر الآية أنه يومئذ يفرح المؤمنون / طبعا فعودة القوة للإتحاد السوفياتي هو في مصلحتنا وعدو عدونا هو صديقنا ، وعودة قوة روسيا يعني نهاية هيمنة الغرب على جميع المراكز العالمية الحساسة سواءا تجاريا أو صناعيا أو اقتصاديا او حتى ثقافيا عن طريق العولمة ، فالهيمنة التامة للغرب سواءا بالسيطرة على مؤسسات التجارة العالمية وباقي المؤسسات الدولية التي من المفروض أن تخدم مصالح جميع شعوب العالم وليس مصلحة الإتحاد الأوروبي وفرنسا وبريطانيا و أمريكا فقط ، هذا الأمر جعل العالم يعاني من الهيمنة الأحادية التي أفقدته توازنه وأصبحت هناك شعوب مسحوقة وشعوب تقتات على خيرات الشعوب الفقيرة .
بالمختصر العام فإن الروم هو إسم وصفي لقوم متعايشون متآلفون لايغدرون العهود والمواثيق وهم نفسهم روسيا ودول شرق اوروبا التي عرفت بإنتماءها للإتحاد السوفياتي سابقا ، ووصفوا بالرومان لأن لون بشرتهم لون قريب من اللون ثمرة الرمان الذي يميل للون الأحمر ، بحيث ذكر القرآن نبوءتهم على أنه بعد إنغلابهم في الحرب الباردة وخسارتهم لأقل أراضيهم سيعود لهم من بعدها النصر المجدد ، وسيكون ذلك فرحة بالنسبة لنا نحن المؤمنين لأنه سيشكل نهاية الهيمنة الغربية وسقوطها بعد أن زاد صيتها منذ سقوط الإتحاد السوفياتي بشكل كبير ، ثم يذكر الله أنه ينصر من يشاء فالأمر كله لله .
"ولكل نبأ مستقر وسوف تعلمون " صدق الله العظيم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق