الاثنين، 5 أكتوبر 2020

من هو ذلك الكتاب لاريب فيه ؟ -الجزء الرابع-

من هو ذلك الكتاب لاريب فيه ؟ -الجزء الرابع-


عندما نبحث عن الإسم المذكر لكلمة "كتابة" فإننا نجده غائبا عن قموسنا اللساني ، مع أنك لو تبحث لدى كبار الناس إلى وقت قريب فإنهم ينادون أي شيئ مكتوب بـ"كتاب" ، و الحقيقة أن كلمة "كتاب" هي إسم مذكر عن كلمة "كتابة"...فإسم "الكتابة" هو إسم مؤنث اعتدنا إطلاقه على أي شيى يكتب ونطقناه مؤنثا بدل أن ننطقه مذكرا بإسم "كتاب" .


قديما الناس كانت تسمي من يذهب لتعلم الكتابة بانه يدرس في "الكُتّاب" نظرا لأن الشخص يذهب لتعلم "الكتابة" ، و كانت الناس تطلق على أي شيئ مكتوب إسم كتاب سواءا في ورقة واحدة أو مجموعة اوراق ... أمّا اليوم أصبح وعينا ينصب على أن إسم "كتاب" هو تلك الأوراق المصنفة بين دفّتي صفحات ورق ، و الحقيقة أن هذا الإسم نحن من خصصناه و أسقطناه و جعلناه ملاصقا للكتب الورقية التي نملكها اليوم ، فاللّفظ في أصله الأول قبل تواجد هذه الكتب ذات الصفحات المرتبة و الدفتين كان مصطلحا يقصد به أي شيئ مكتوب . 


▪︎ماهو مذكر كلمة كتاب ؟ 


نقول "هذه كتابة" لأي شيئ مكتوب في اللفظ المؤنث ، لكن في اللفظ المذكّر نقول "هذا كتاب" لكل شيئ مكتوب .


هذا كتاب (مذكّر) = هذه كتابة (مؤنّث) .


سنعطي أمثلة : 

مثلا لو أنت ماشي في الطريق و رأيت شيى مكتوب على الجدران فستقول "هذه كتابة" ، لكن لو جاء شخص قديم لم يكن يملك ويعرف مثل هذه الكتب الورقية و لم يصطلح على هذا المصطلح اللغوي فإنه سيقول عن ماكتب على الجدران " هذا كتاب" ... الفرق بيننا و بينه هو أننا نحن اليوم نطلق الوصف بصيغة مؤنثة "كتابة" أما هو فيطلق الوصف بصيغة مذكرة "كتاب" .


كتاب (إسم مذكر) = كتابة (إسم مؤنث) .


▪︎القرءان يعترف بالكلمة مذكرة و لايعترف بها مؤنثة :


عندما نعود للقرآن فإنّ القرآن يعترف بالتسمية التي تعتمد على الصيغة المذكرة في وصف أي شيئ مكتوب ، فالقرآن قراءته قديمة جدا وعاش بين ناس قدماء ، فوقتها لم يكن متفقا على تسمية الكتاب على الكتب الورقية التي نملكها اليوم لأنها لم تكن موجودة وقتها  ، إنّما كانوا يطلقون اللفظة على أي شيئ مكتوب .


مثال من القرآن :


[اذهب 'بكتابي' هذا فألقه إليهم ثم تولى و انظر ماذا يرجعون -  قالت يا أيها الملئ إنّي ألقي إليّ 'كتاب' كريم -  إنّه من سليمان و إنًه بسم اللّه الرحمان الرحيم -  ألا تعلوا عليّ واتوني مسلمين ] النمل 

لاحظ جيدا عندما بعث سليمان رسالة مكتوبة إلى ملكة سبأ ، فهو قال للطير "اذهب بكتابي هذا" و هو يقصد بوعينا اليوم "اذهب بكتابتي هذه " .. هو لم يبعث لها كتاب ورقي كالكتب التي نملكها اليوم ، إنما المقصود بالآية أن سليمان راسلها كتابة فقال (اذهب بكتابي هذا) .


بمعنى ان الآية تفهم بوعينا اليوم :

إذهب بكتابتي هذه فألقها إليهم و انظر ماذا يرجعون • قالت ياأيها الملئ إني ألقيت إليّ كتابة كريمة إنّها من سليمان و إنها باسم الله الرحمان الرحيم .


▪︎كتب نفهمها كتابات :

هناك آية في القرآن تثبت لك أن كلمة "كتابة" أصلها أن ننطقها "كتاب" .. و هو مايتلخص في سورة البينة :

[رسول من الله يتلوا صحفا مطهرة - فيها كتب قيمة ] .

نحن نفهم بوعينا اليوم أن جمع كتاب هو كتب و هذا صحيح .. لكن القرآن يصف أن الرسول يتلوا صحفا مطهرة فيها كتب قيمة .. مامعنى كتب هنا ؟

معنى "كتب" هو "كتابات" .. لأنه كما ذكرنا فإن كلمة "كتاب" هي كلمة مذكرة عن كلمة "كتابة"، و منه نستنتج أن الجمع المؤنث لكلمة كتابة هو "كتابات" :

كتاب = كتابة 

كتب =  كتابات .

فيها كتب قيمة = فيها كتابات قيّمة .


▪︎ابراهيم يدعوا لأمته من بعده بأن يبعث فيهم رسولا يعلمهم الكتابة :


 عندما نقرأ الآيات ونسمع سيدنا إبراهيم عليه السلام يذكر كلمة "كتاب" فهو يقصد كتابة ..

[وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت و اسماعيل ربّنا و تقبّل منا إنك أنت السميع العليم - ربنا واجعلنا مسلمين لك و من ذريتنا أمة مسلمة لك و أرنا مناسكنا و تب علبنا إنك أنت التواب الرحيم - ربنا و ابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك و يعلمهم الكتاب و الحكمة و يزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم] البقرة

ففي دعاءه هو يقصد أن يبعث الله في ذريته من يعلمهم "الكتابة و الحكمة" فالقرآن يعترف لكلمة "كتاب" بصيغة مذكرة و ليس مؤنثة كما نطلقها اليوم (كتابة) ، فتلك الكتابة تعتبر أوّل الكتابات التي تواجدت على هذه الأرض و كانت موجودة حتى في زمن إبراهيم لكنها كانت تحتاج إلى تعلّم كي يتم قراءتها و معرفة حكمتها .


▪︎هذه الكتابة هي نفسها الكتابة التي أوتيت إلى موسى و عيسى :


[ثم ءاتَینَا موسى الكِتاب تماما عَلى الذِی أحسنَ وتَفصِیلا لكل شَیء وَهدى ورحمة لعَلَّهم بِلقاء رَبهم یؤمنُون - وَهذَا كِتَاب انزلناه مبارَك فاتَّبعُوه واتقوا لَعلكم ترحمونَ -  أَن تَقُولُوا إِنَّمَا أُنزِل لكتَاب عَلَى طَائفَتین مِن قبلنا وَإِن كنا عَن دِرَاستِهم لَغـافلِینَ - أَو تقولُوا لو أنّا أنزِلَ عَلَینَا الكتاب لكنا أَهۡدَى مِنهُم فَقَد جَاءَكُم بیِّنَة من ربِّكُم وَهُدى وَرَحمة فمَن أَظلَمُ ممَّن كذَّب بِـآيات ٱللَّه وَصدَفَ عنها سَنجزِی الذِینَ یَصدِفونَ عَن ءاياتنا سوءَ العَذَابِ بِمَا كَانُوا یصدفون] الأنعام


أريدك أن تقرأ الآيات ثم لاحظ معي جيدا .. الآيات تذكر أن موسى أوتي الكتاب ثم  وتذكر أننا نحن أيضا أنزل إلينا كتاب ومطالبون باتباعه ... لكنها في الصياغ تشير إلى أنه لو لم ينزل علينا الكتاب لكُنّا تمنينا أن ينزل علينا لنكون اهدى من الطائفتين السابقتين التي انزل عليهما ... فلو مشينا بمنطق أن كلمة "كتاب" تعني كيان واحد مستقل ومصنف كالكتب الورقية التي نملكها اليوم ، لكان من المفروض أن الآية تقول (لو أنا أنزل علينا الكتابين لكنا أهدى منهم) لأنها تذكر بأن الكتاب أنزل على طائفتين من قبلنا ..  لكن الآية تقول (لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم ) .


بمعنى أنه لو أن موسى و قومه انزل عليهم كتاب ثم اتى قوم بعدهم و انزل عليهم كتاب فسيصبح هناك كتابين ..و نحن إذا لم ينزل علينا أي كتاب من القومين سنقول  (لو انّ انزل علينا الكتابين لكنا اهدى منهم) لكن الآية القرآنية توضح اننا سنقول " لو أنا انزل علينا الكتاب لكنا اهدى منهم" فكيف تذكر اننا سنتمنى ان ينزل علينا كتاب واحد و الطائفتين السابقين انزل عليهم كتابين كما تذكر كتب السيرة حول أن التوراة و الانجيل هما كتابين مستقلّين ؟!


السبب في هذا الفهم الخاطئ ليس في القرآن بل المشكل فينا نحن ، لأننا نعتبر أن مصطلح "الكتاب" يعني كتابا واحد بمثل الكتب المصنفة في سجل بين دفتين كما نملكها اليوم ..


 إذا هذا يفيد أن كلمة "كتاب" معناها "كتابة" و  لا وجود  لكتابين مستقلين ... إنما لفظة كتاب المقصود بها الكتابة فهي كلها كتابة واحدة اوتيت لموسى و اوتيت لنا و نحن مطالبين بدراستها و معرفة حكمتها ..الآن يمكن فهم الآية وفق وعينا اليوم على أنها تعني :

(ولقد آتينا موسى الكتابة تماما على الذي احسنّ وتفصيلا لكل شيئ وهداية و رحمة لقوم يؤمنون • وهذه كتابة أنزلناها مباركة فاتبعوها و اتقوا  لعلكم ترحمون • أن تقولوا إنما انزلت الكتابة على طائفتين من قبلنا و إنّا كنّا عن دراستها لغافلون • أو تقولو لو أنزلت علينا الكتابة لكنا أهدى منهم ...)


الآن سيتضح لنا كل شيئ ..

[قَالَ ٱلَّذِی عِندَهُۥ عِلۡمࣱ مِّنَ ٱلۡكِتَـٰبِ أَنَا۠ ءَاتِیكَ بِهِۦ قَبۡلَ أَن یَرۡتَدَّ إِلَیۡكَ طَرۡفُكَۚ فَلَمَّا رَءَاهُ مُسۡتَقِرًّا عِندَهُۥ قَالَ هَـٰذَا مِن فَضۡلِ رَبِّی لِیَبۡلُوَنِیۤ ءَأَشۡكُرُ أَمۡ أَكۡفُرُۖ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا یَشۡكُرُ لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّی غَنِیࣱّ كَرِیمࣱ](سورة النمل 40) .

هنا عبارة "الذي أوتي علما من الكتاب" المقصود بها شخص أوتي علما من الكتابة ، أي أنه كان يعرف قراءتها ودرسها و استخرج حكمها و علومها ، و العلم الذي ملكه منها مكنه من الإتيان بعرش ملكة سبأ إلى سليمان .


[وَقَالَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لِلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لَوۡ كَانَ خَیۡرࣰا مَّا سَبَقُونَاۤ إِلَیۡهِۚ وَإِذۡ لَمۡ یَهۡتَدُوا۟ بِهِۦ فَسَیَقُولُونَ هَـٰذَاۤ إِفۡكࣱ قَدِیمࣱ -  وَمِن قَبۡلِهِۦ كِتَـٰبُ مُوسَىٰۤ إِمَامࣰا وَرَحۡمَةࣰۚ وَهَـٰذَا كِتَـٰبࣱ مُّصَدِّقࣱ لِّسَانًا عَرَبِیࣰّا لِّیُنذِرَ ٱلَّذِینَ ظَلَمُوا۟ وَبُشۡرَىٰ لِلۡمُحۡسِنِینَ](سورة الأحقاف 11 - 12) 

الم يقولوا لنا في كتب التراث أن الكتاب الذي انزل قبل القرآن هو الإنجيل و ماقبله هو التوراة ، و أن موسى انزل عليه كتاب يسمى التوراة ، فلماذا تذكر الآية ان الكتاب الذي انزل قبل الرسول هو كتاب موسى ؟ أليس من المفروض أن الآية تقول "ومن قبله كتاب عيسى" ؟

 السبب هو عدم فهمنا بالأصل أن القرآن يتحدث عن "كتابة" و يصطلح على تسميتها "كتاب" بصيغة مذكرة ، و الآية تتحدث عن الكتابة التي اوتيت لموسى و أن الكتابة التي نزلت إلينا هي كتابة مصدقة اي مطابقة لنفس كتابة موسى .


[ألم - ذلك الكتاب لاريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب و يقيمون الصلاة و من مارزقناهم ينفقون ] البقرة .

الآن يمكننا فهم هذه الآية بوعينا الحالي كالتالي :

(ألم • تلك الكتابة لاريب فيها هداية للمتقين الذين يؤمنون بالغيب...) .


▪︎ الخلاصة :


عندما يشير القرآن إلى كتابة معينة قديمة جدا منذ وقت سيدنا إبراهيم و سليمان وموسى و عيسى ، و عندما نعلم أن هذه الكتابة كتابة تحوي صور و آيات توضح وتظهر معانى تلك الصور ، فإنّه و بالنظر للواقع فإن أقدم كتابة متواجدة بآلاف الآثار تحوي صور ومتبوعة بآيات تعلق و تشرح تلك الصور هي الكتابات المصرية أو ما أطلقه الغرب عليها ب"الكتابات الهيروغليفية" .


 هذه الكتابات التي لا نعلم من قراءتها و لا مكنوناتها إلا مارواه الباحثون المستشرقين الفرنسيين و الإنجليز .. تلك الآثار الكتابية التصويرية ألفوا لها كتبا  ضخمة تسقط التاريخ الذي كتبوه في كتبهم على تلك الآثار ... فنحن لا نعلم منطوق تلك الكتابات و لامعانيها إلا وفق الميثيولوجيا التي كرّسها الغرب على جميع أمهات المصادر التي تدرسها .


البحوث و الدراسات الأكاديمية في دراستها لكل آثار المنطقة تعتمد بالأساس على المصادر الكتابية للمستشرقين الغربيين سواءا للمدرسة الفرنسية أو الإنجليزية ... لأن كل آثارنا بالأخص الآثار المصرية تم التفصيل في تاريخها و أسرارها منذ دخول الإستعمار الفرنسي و البريطاني للمنطقة قبل قرنين ، فالجميع يجهل أسرار تلك الآثار و الكتابات قبل إسقاط ترجمات الغرب عليها .. كتابات تعد بالآلاف و لازال الى اليوم تُستكشف من تحت الأرض .

.

.

.

.

يتبع


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق