من هو ذلك الكتاب؟ -الجزء الثالث-
سننتقل إلى البحث أكثر في خصائص هذا الكتاب ، و سنطرح سؤال يخطر في بال جميع قراء القرآن ألا وهو مامعنى تسمية "السور" التي نطلقها على سور القرآن ... تجد عدة تفسيرات متضاربة و لاتريح لك عقلك .
قبل أن نبدأ بالموضوع أريدك أن تمسح وتطهر رأسك من كل كتب البشر ، أريدك فقط أن تضع كلام الله نصب أذنيك و تسمع له دون إشراك أي بشري يحاول أن يشوش عليك بتفسيره ، فلا يوجد حديث بعد الله و آياته يجعلك تؤمن وأنت مطمئن ..
[تِلۡكَ ءَایَـٰتُ ٱللَّهِ نَتۡلُوهَا عَلَیۡكَ بِٱلۡحَقِّۖ فَبِأَیِّ حَدِیثِۭ بَعۡدَ ٱللَّهِ وَءَایَـٰتِهِۦ یُؤۡمِنُونَ](سورة الجاثية 6)
لا كلام يعلوا بعد كلام الله ...إذن طهّر نفسك من أي مصدر يحاول أن يشوش عليك فهم القرآن الميسّر الواضح .
■ أوّلا ، دعونا نبحث في القرآن الذي بين أيدينا عن ورود كلمة "سورة" :
▪︎[أَمۡ یَقُولُونَ افۡتَرَاه قُلۡ فَأتُوا بِعَشرِ سُوَرࣲ مِّثۡلِهِ مُفتَرَیَاتࣲ وَادعُوا مَن استَطَعۡتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ صَادِقِینَ] هود .
بعد قراءتك للآية سأطرح عليك سؤال :
هل عندما ننطق كلمة "سور" ننطقها حقيقة بلساننا "صور" أم "سور" ... انطقها خمس مرات دون ان تفكر في الخط الكتابي الذي نحن نكتبها به اليوم .. ستجد أننا ننطقها بنطق يميل لحرف الصاد دون السين مع أنها في الرسم الكتابي لنظام كتابة حروف المصحف الحالي تكتب بالسين ... هل ننطقها بالصاد أم بالسين التي ننطق بها كلمات سوريا و سوري ؟
حقيقة نقول وننطق "صور القرآن" لكن في الكتابة تعودنا على كتابتها "سور القرآن" ، و السبب في ذلك هو نظام الكتابة الحالي الذي كتب به القرآن ، فالكتابة الحالية التي نكتب بها القرآن بالحروف الحالية كما هي موجودة بالمصاحف الحالية هي كتابة ظهرت بعد نزول القرآن ولم تنزل مع القرآن ، و القرآن الحالي كما ذكرنا قد كتب بنظام كتابي آخر قديم جدا يعتمد على مايسمى الحروف المقطعة ، لذلك فإنه من المفروض في الكتابة الحالية للمصحف نكتب الكلمة كما ننطقها "صور" وليس "سور" .
لاحظ معي جيدا ...
[و إذا قرئ القرآن فاستمعوا له و انصتوا لعلّكم ترحمون] الأعراف .
اللّه طالبك بالإستماع للقرآن و ليس بالنظر لكتابته الحالية ، اللفظة ننطقها "صور" وليس "سور" كما يكتبها المصحف الحالي و السبب ليس فينا بل في الكتابة الحالية للمصحف التي تحاول أن تشوش علينا ... القرآن الذي بين أيدينا يعتد بقراءته و الإستماع له و ليس بالنظر إلى كتابته الحالية في المصحف ، تخيل نفسك مع شخص أعمى كفيف لايرى لكنه يسمع القرآن لو تنطق له الكلمة سيسمعها "صور" و ليس "سور" ، العبرة في فهمنا لما يريد أن يوصله لنا القرآن هي بإنصاتنا لقراءته السمعية و ليس الكتابة الحالية التي كتب بها ..
لو كان القرآن يعتد بكتابته التب في المصحف حاليا لما وجدنا كلمة "إبراهيم" مكتوبة في سورة البقرة "إبراهم" بدون ياء عكس باقي السور التي كتبت بالياء "إبراهيم" ... لاحظ اختلاف كتابة إسم "إبراهيم" بين سورة البقرة و سورة الأعلى كمثال:
[وَوَصَّىٰ بِهَاۤ إِبۡرَاهِـمُ بَنِیهِ وَیَعۡقُوبُ یَـٰبَنِیَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصۡطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّینَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسۡلِمُونَ]
(سورة البقرة 132)
[صُحُفِ إِبۡرَاهِیمَ وَمُوسَىٰ](سورة الأعلى 19) .
كلا الإسمين كتابتهما مختلفتين عن بعضهما و يمكنك التأكد من ذلك من خلال مصحف بيتكم ، لكننا ننطق الإسم "إبراهيم" و لا نأبه لكتابة المصحف ... السبب في ذلك أننا نعلم تمام التأكد ان العبرة في فهم القرآن هي بنطقه و ليس بالنظر في كتابته الحالية.
لو تلاحظ معي كلمة "متوسط" و "وسط" في كلامنا العادي ننطقها "متوصط" و "وصط" لأنها تنطق بشكل سلس بالصاد دون السين ..لكن في الكتابة تجدنا نكتبها بالسين ..وقد كتبت في المصحف بالسين : [فوسطنَ بِه جمعا]العاديات ، [حافظوا على الصلوات و الصلاة الوسطى] .. .
لاحظ معي كذلك في مشكل كتابة كلمة "دراسة" ، اطلب منك أن تنطق عبارة "درس التلميذ الدرس" ، فهل ستنطق كلمتي "درس" و "الدرس" بالسين أم بالصاد ... هل ستقول حقيقة "درص التلميذ الدرص" بالصاد أم ستقول "درس التلميذ الدرس" بالسين ؟
الحقيقة أننا ننطقها بالصاد لكن الكتابة الحالية تسحرنا أننا ننطقها بالسين بسبب تعودنا على كتابة هذه الكلمة بالسين بدل الصاد .. فالأصح أن نكتب كلمة "درص" بدل "درس" ، لأن فعل الدرس هي تلك عملية فلاحية المتعلقة بجني محصول سنابل القمح بعد حصاده .
[وَكَذَالِكَ نُصَرِّفُ ٱلۡـَٔایَـٰتِ وَلِیَقُولُوا۟ دَرَسۡتَ وَلِنُبَیِّنَهُۥ لِقَوۡمࣲ یَعۡلَمُونَ] الأنعام .
هذه الكلمة "درست" الأصح أن ننطقها "درصت" الى جانب عدة كلمات في القرآن تكتب بالسين و هي سبب العمى الذي نعاني منه ... فنفس الشيئ مع كلمة "صورة" التي نكتبها سورة" .
قد تواجهنا المشكلة بشكل عكسي بالنسبة لمثال كلمة "سيطر" فنحن نكتب الكلمة بالسين في حين أننا ننطقها بالصاد ، و مع أن المصحف الذي كتب به القرآن بالخط الحالي يكتبها بالصاد صحيحة إلا اننا في باقي معاملاتنا نكتبها بالسين .
[لستَ عَلَیهِم بِمصیطِر](سورة الغاشية 22)
لاحظ كيف كتبت كلمة "مصيطر" في المصحف وهي صحيحة ، بينما نحن نكتبها بشكل خاطئ في معاملتنا العاديى بالسين "مسيطر" .
فكذلك كلمة "سورة" التي كتبت في القرآن ، فالأصل ان تكتب "صورة" كما تنطق و ليس "سورة" كما كتبها الخط الحالي للكتابة .
■ مامعنى أن يذكر القرآن مفردات صور و صورة ؟
▪︎[أَم یَقولون افتَرَاه قل فَأتُوا بِعَشر سُوَر مِّثلِهِ مُفترَیَات وَادعُوا مَن ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كنتُم صادقِینَ] هود 13 .
بوضوح شديد هذه الآية تدلنا على أن الكتاب يملك مجموعة من الصور ، استمع للآية بنطقها و ستسمعها تقول لك "فأتوا بعشر صور مثله مفتريات إن استطعتم" .
معنى الآية واضح و هي تشير إلى مجموعة من الناس تكذب الرسول وتتهمه بأنه يفتري صور كتابية لكتاب ، لكن الله في القرآن يأمره بأن يرد عليهم بأن يأتوا بعشر صور مفتريات مثله إن استطاعوا .
يبدو أنه هناك من زاد تساؤله عن اي صور يتحدث القرآن .. و هل هي نفسها الصور التي يتم رسمها وتعطي دلالة معينة ؟
الحقيقة نعم ، فالكتاب الذي قرأ منه القرآن كان عبارة عن نظام كتابي يحوي آيات و صور ... مثلا تجد صورة الشمس مرسومة و يحيط بها آيات تشرح معنى تلك الصورة .
▪︎ [ویَقولُ الذِینَ ءَامنُوا لَولا نزِّلت سورَة فَإِذَا أُنزِلَت سُورَة محكَمة وَذكِرَ فِیهَا القِتَال رَأَیتَ الذِین فِی قُلُوبِهِم مَّرَض یَنظُرُونَ إِلیكَ نَظَرَ المَغشي عَلَیۡهِ مِنَ المَوۡت فَأَولَى لَهُمۡ](سورة محمد 20)
هذه الآية تذكر الذين آمنوا يتمنون لولا نزلت صورة كاملة .. لكن لو تبحث في كتب التراث التي تذكر كيفية و أسباب النزول فهل ستجد ذكر لأي سورة نزلت مرة واحدة و ذكر فيها القتال ؟
لايوجد أي سورة نزلت مرة واحدة و ذكر فيها القتال ، بل كتب التفسير و أسباب النزول تجعل من القرآن نزل مدة 23 سنة بآيات متفرقة فتارة تنزل على الرسول آية في يوم و مرة بعد شهر .. حتى أنّ ما حدثونا عنه في كيفية جمع المصحف الحالي وتصنيفه لسور هي الأخرى غير مقنعة ، لأنك تجد مثلا نزول آية مصنفة حاليا ضمن سورة البقرة في حادثة معينة ثم بعدها يذكرون لك نزول آية أخرى مصنفة ضمن سورة أخرى ثم آية ثالثة مصنفة ضمن سورة اخرى غير السورتان الأوليان ... فتحس أن هناك شيئ مخبئ وراء هذه الروايات التي تدعي رصد كيفية النزول ، تجد مثلا ثلاث أو أربع آيات نزلوا وراء بعضهم البعض متتاليات لكنهم مصنفين من غير سورة واحدة وهذا يتنافى مع منطوق الآية التي تذكر نزول سورة واحدة كاملة جاملة مذكور فيها القتال .
عند العودة لكيفية كتابة "سورة" و نطقها ..
[لولا نُزِّلت صورة فإذا أنزلت صورة و ذكر فيها القتال ..]
نزول السورة هنا هو نزول صورة ، فالكتاب الذي نزل منه القرآن هو كتاب فيه صور و كل صورة من تلك الصور تحوي آيات تشرح و تدل معنى تلك الصورة ... لكن هناك نقطة مهمة وهي لماذا قالو "لولا نُزّلت صورة " بصيغة الماضي المبني للمجهول ، و لم يقولوا "لولا أنزلت صورة " بفعل المضارع الآني ؟
السبب هو أنهم كانوا يَرون صور سابقا و يؤمنون أنها كتابة من عند الله ، لكنهم لم يكونو يعرفوا دلالتها و معانيها ، فهي صور تعبيرية تحتاج لآيات تنزل معها كي تبين معناها .
▪︎[سورة أَنزلنَاها وفَرَضناهَا وَأَنزَلنَا فِیهَا ءَایات بیِّنَات لعَلَّكم تَذكَّرون](سورة النور 1)
لاحظ معي جيدا الآية الأولى من صورة النور ، الآية تذكر نزول صورة كاملة وفرضها وإنزال آيات بيّنات فيها ، لكن لو ترجع للتراث الكتابي فإنك تجدهم مختلفين حتى في ترتيبها هل نزلت قبل صورة الحشر أم النصر و هل نزلت متفرقة بين صور أخرى و كم زمن مدة نزولها ، تجدهم متخالفين كل الإختلاف مع الآية الواضحة التي تذكر نزول الصورة كاملة و مفروضة ... وهو مايدل أن تلك الكتب تحاول ان تخبئ حقيقة نزول القرآن .. وهي أن القرآن نزل من كتاب واحد يحوي صور عديدة و كل صورة من تلك الصور تحوي آيات بيّنات تبيّن معنى و دلالة الصورة .. و هذا هو معنى صورة أنزلت و فيها "آيات بيّنات" فالآيات دورها هو "التبيان" لمعنى صور الكتاب .. و قراءة تلك الآيات يكون بلسان عربي كالقرآن الذي بين يدينا ، لكنها كتبت بخط كتابي قديم جدا غير هذا الخط الذي نكتب به حاليا .
▪︎[یَحذر المنافقونَ أن تُنزَّل عَلیهِم سورة تُنَبأهُم بِما فِی قُلُوبِهم قُلِ استهزؤوا إنّ اللَّهَ مُخرج ما تَحذَرونَ](سورة التوبة 60)
هنا ذكر بأن المنافقون يحذرون ويخافون أن تتزّل صورة كاملة تنبأهم بما في قلوبهم ... فكل خوفهم كان منصب حول صور الكتاب التي لايعرفون معانيها .. فهم يرون كتابات محيطة بصور لكنهم لايعرفون معاني تلك الصور نظرا لأنهم لايجيدون قراءة الآيات المحيطة بها .
■ كيف تتنزل تلك الصور ؟
بمعنى كيف يعرف الرسول قراءة دلالة تعبير صورة مرسومة ؟
الجواب موجود في كلمة "آيات" ، فلو نرجع لصورة النور نجدها تذكر أن الصورة أنزل فيها آيات بيّنات ، بمعنى آيات توضّح و تدل على معنى الصورة ... كلمات بينات بمعنى "مبيّنة" لمعنى الصور المبهمة ..فمثلا أنا لو ارسم لك صورة بقرة صفراء و أناس حولها فإنك لن تعرف معنى الصورة نظرا لكونه لايوجد بقر أصفر ، لكن عندما أكتب لك حولها بنظام كتاب منطوق آيات تبين معناها فإنك ستقرأ تلك الآيات و ستفهم تلقاءيا ماأقصد .
[سورة أَنزلنَاها وفَرَضناهَا وَأَنزَلنَا فِیهَا ءَایات بیِّنَات لعَلَّكم تَذكَّرون]
كلمة "آية" المقصود بها "دليل" و "آيات" المقصود بها دلائل ، بمعنى أنه في كل صورة توجد دلائل مرافقة لها توضح و تشرح معنى الصورة .
فهل يمكن قراءة تلك الدلائل ؟ وماهي هذه الدلائل ؟ مانوعيتها حتى تمكننا من قراءة صورة مرسومة ؟
الجواب ملخص في كثير من عبارات القرآن التي تذكر آيات تشرح مكنون ونطق الكتاب ..ومن امثلتها الحروف المقطعة التي ذكرنا انها عبارة عن خط كتابي كتب بنظام كتابي قديم .. بمعنى أن الآيات هي عبارة عن رموز كتابية ذات خط كتابي قديم تشرح مكنون الصورة ، وقد ذكرنا في الجزء الثاني من المقال السابق مثالا عن الحروف المقطعة التي ترد في بداية الصور التي هي مثال حي عن نظام الكتابة الذي كتب به الكتاب .
■ الخلاصة :
أن الكتاب هو كتاب يحمل مجموعة صور و كل صورة منه تحمل دلالة معيّنة ... ويتم التعرف على دلالة معنى وشرح تلك الصور عن طريق آيات مرفقة تشرح معنى كل صورة ... يكون ذلك بقراءة تلك الآيات التي هي قراءة بلسان عربي كلسان القرآن الذي بين يدينا اليوم .
[حم • تَنزِیلࣱ مِّنَ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِیمِ • كِتَـٰبࣱ فُصِّلَتۡ ءَایَـٰتُهُۥ قُرۡءَانًا عَرَبِیࣰّا لِّقَوۡمࣲ یَعۡلَمُونَ] سورة فصلت .
كتاب يحوي صور و آيات مفصلة تشرح و تقرأ كل صورة... تقرأ الآيات بلسان عربي مبين لتلك الصور .
.
.
.
.
.
يتبع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق