من هو ذلك الكتاب الذي لاريب فيه ؟ -الجزء الأول-
من أول آية من سورة البقرة إلى جل آيات القرآن ، الجميع يلاحظ كثرة ذكر القرآن للكتاب ، لاتكاد تخلو أي سورة من ذكر الكتاب ..قصة موسى عليه السلام تتحدث عن كتاب ، قصة عيسى عليه السلام تتحدث عن تعلمه الكتاب ، قصة سليمان تتحدث عن علم الكتاب ، إبراهيم عليه السلام تحدث عن الكتاب ، يحيى عليه السلام يأخذ الكتاب بقوة ، بنو إسرائيل أوتو الكتاب ، القرآن يقول انه انزل الكتاب بالحق و الميزان ، القرآن يذكر بأن هناك من يخفون الكتاب ، القرآن يذكر أن هناك من يحرفون كتاب، القرآن يذكر أن هناك من يشتري بالكتاب ثمن قليل ، القرآن يشير إلى ذلك الكتاب لاريب فيه ، ..الكتاب ، الكتاب ، الكتاب ..ماهو هذا الكتاب ؟!
من أول آية في سورة البقرة تجد إسم الإشارة "ذلـك" ، إسم إشارة يشير لك إلى كتاب :
[ألـم • ذلك الكتاب لاريب فيه هدى للمتقين • الذين يؤمنون بالغيب و يقيمون الصلاة و مما رزقناهم ينفقون • والذين يؤمنون بما أنزل إليك و ماأنزل من قبلك و بالآخرة هم يوقنون • أولئك على هدى من ربّهم و أولئك هم المفلحون] (البقرة1-5)
لاحظ جيّدا مع الآية ، الآية تشير إلى "ذلك" الكتاب ولم تقل "هذا الكتاب" ، و المعروف أنّ "ذلك" إسم الإشارة يدل على شيئ بعيد و ليس شيئ بين يديك .. يعني لو كان المقصود هو القرآن الكريم الذي بين أيدينا لكانت الآية تقول "هذا القرآن لاريب فيه" ، لكن الآية واضحة أنها تشير إلى كيان مادي بعيد وهو كتاب .
الشيئ الثاني هو أن الآية تشير لك بصريح العبارة إلى "كتاب" ولم تقل "قرآن" ، "ذلك الكتاب" المقصود به كتاب مكتوب وليس قراءة ، فالقرآن الذي لدينا هو عبارة عن قرآن يقرأ ومصدر كلمة "قرآن" هو قرأ ـ يقرأ ـ قراءة .
الآية لم تتوقف عند هذه المفاجأة فقط ، بل تشير لك إلى أنّ هذا الكتاب هو هدى للمتقين ، يعني هو هدى للناس متقية تتقي الله ، وليس هدى لناس غير مؤمنة لا تعرف الله كما أخبرتنا كتب التفسير وأسباب النزول ...لاحظ جيدا الآية لم تقل (ذلك الكتاب هدى للناس ) بل قالت أنّه هدى للمتقين اي ناس متقية و تعرف الله ...ثم يكمل القرآن السرد بأن هذه الجماعة تقيم الصلاة و تنفق من رزق الله و تؤمن بالغيب و بالآخرة وتؤمن بما أنزل للرسول و ماأنزل من قبله .
يعني بالتمام والكمام تشير إلى أن الكتاب هدى لأناس تعرف الله وهي على هداه وتؤمن به إيمان شخص يعرفه...وليس كما تعلمناه من التراث حول أن الآية تتحدث عن القرآن الذي نزل على جماعة كافرة تعبد أصنام داخل قرية صحراوية .
التفسيرات التي تفسّر الآية تجدها تحاول أن تبعدك عن معناها الحقيقي و ترسّخ في ذهن المسلم أن "ذلك الكتاب " هو "هذا الكتاب" ، وهو قول متناقض صراحة مع القرآن الكريم ، فالقرآن محكم التنزيل و هو يتحدث عن كتاب أي شيئ مادي مكتوب.. فكُتب المفسرين تتحدث على أنّ الرسول (ص) نزل عليه القرآن شفاهة عن طريق جبريل عليه السلام و القرآن الكريم يذكر و يشير لك إلى كتاب مادي مكتوب .
بشرح أكثر ..
لاحظ جيدا ، الله لم يقل (ألم • هذا القرآن لاريب فيه ) الله قال بمحكم تنزيله (الم• ذلك الكتاب لاريب فيه ) ، شتّانا في فهم الفرق بين إشارتي "ذلك الكتاب" التي ينادي بها القرآن و بين "هذا الكتاب " التي ترسخها التفاسير ، هناك فرق بين كتاب يُكتب و قرآن يُقرأ ، فالسيرة لم تحدثنا بالمطلق عن أي كتاب قرأه الرسول .
من جهة أخرى هناك بعض التفاسير تحاول أن تضع نفسها في وضعية الإجتهاد لكن بدل أن تكحلها عمتها ، فهي تفاسير استوعبت أن القرآن يشير إلى كتاب بإسم إشارة بعيد (ذلك) ، لكنها جعلت ذلك الكتاب هو كتاب موجود في السماء عند الله ولايمكن الوصول إليه .
لاأعرف بأي منطق تتعامل هذه التفاسير فما فائدة أن يذكر لك الله كتاب ويدلك إليه ويقول لك أنه أنه هدى لك ثم يجعله حبيسا عنده في السماء ، المنطق العقلاني و الآية واضحة وضوح الشمس وهي تشير لك إلى كتاب موجود عندك في الأرض يجب أن تبحث عنه وتجده لأنه لك فيه هدى ..
هو كتاب لاشك ولاريب فيه هدى للمتقين وموجود على أرضك والله يشير لك إليه عن طريق القرآن كي تهتدي به بشكل أكبر .. لأن الآية تخاطب أناس مؤمنين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويعرفون الإسلام .
بغض النظر عن هذا هناك عدة آيات تشير إلى أن الرسول وهو يلوا صحفا مطهرة و فيها كتابات قيّمة ، لكن التفسيرات تحاول دائما التغطية على هذه الآيات عن طريق روايات السيرة التي تذكر أن الرسول ظهر في قبيلة صحراوية بين أناس كافرة و كان لايجيد القراءة ..
[رَسُولࣱ مِّنَ ٱللَّهِ یَتۡلُوا۟ صُحُفࣰا مُّطَهَّرَةࣰ فِیهَا كُتُبࣱ قَیِّمَةࣱ](سورة البينة 2 - 3)
هناك آيات واضحة على طول القرآن من البقرة إلى ختامه تذكر كتاب معيّن وتدعوا عقل المسلم للبحث و التفكر في من هو هذا الكتاب ..
[قَالَ ٱلَّذِی عِندَهُۥ عِلۡمࣱ مِّنَ الكِتَابِ أَنَا ءَاتِیكَ بِهِ قَبۡلَ أَن یَرۡتَدَّ إِلَیۡكَ طَرۡفُكَ فَلَمَّا رَءَاهُ مُسۡتَقِرًّا عِندَهُ قَالَ هَـٰذَا مِن فَضلِ رَبِّی لِیَبۡلُوَنِی ءَأَشۡكُرُ أَم أَكفُرُ وَمَن شَكَرَ فَإِنَّمَا یَشۡكُرُ لِنَفۡسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّی غَنِیࣱّ كَرِیم](سورة النمل 40)
.
.
.
.
يتبع...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق