الاثنين، 5 أكتوبر 2020

صبغة من الله كتب بها الكتاب

- الصبغة التي كتب بها الكتاب -


[صبغة الله و من أحسن صبغة من الله و نحن له عابدون ] 

البقرة .



ربّما هناك من يستمع لهذه الآية التي تذكر الصبغة و يتساءل عن سبب ذكرها للصبغة ... التفاسير تحاول اللغو في الآية على أنها تعني كناية عن "فطرة اللّه" التي هي الإسلام ، لكن الآية لا تعني ذلك ولو كانت كذلك لكانت قالت "فطرة الله و من أحسن من الله فطرة و نحن له عابدون" ... الآية تقول  "صبغة" و الصبغة المعروفة هي عبارة عن مساحيق يتم الصباغة و التلوين بها لإعطاء ألوان معيّنة ملفتة و براقة ، فهي مادة يحل محلها اليوم الدهان و الطلاء بأنواعه ... لكن ما المقصود بأن يذكر القرآن هذه الصبغة ؟


المقصود بها هو الصبغة التي كتب بها كتابه .


قبل مدّة كنت ماشي في منطقة صخرية هنا بالجزائر فوجدت حجر لونه  أحمر ارجواني و يشبه حجر الصلصال ، صراحة لفتني لونه كثيرا و أردت أن استفسر عنه ،في الحقيقة عندما سألت الناس العارفين عن ذلك الحجر اخبروني أنهم يطلقون عليه إسم شعبي يدعى "المُقرى"  و أخبروني أنه كان يستعمل للكتابة على الأواني و الصناعات الفخّارية ، فهو يستعمل كالصبغة .... لكن بقي معي تساؤل عن سبب تسميته بالمُقرى ؟

 

عند تحليل كلمة "المقرى" فإنها تعني "المقرئ" ففي كلامنا دائما مايتم هضم الهمزة وعدم نطقها نهاية الأسماء ، و كلمة "المقرئ" لها علاقة بكلمة "القراءة" ... مُقرئ أي الذي يُقرأ منه ... فما علاقة هذا الحجر الذي يستعمل للصباغة بالقراءة ؟


 الكلام الشعبي البعيد عن قواميس الكتب هو كلام نقي يتداول في الأوساط الشعبية ، و من خلال تدارسه يمكنك من الوصول لمعلومات يقينية خرجت من مكنون بدايات الشعوب .. وحقيقة أن إسم ذاك الحجر الذي يصبغ به أطلق عليه وصف المقرئ لأنّه استعمل قديما قي كتابة يتم قراءتها و رسمت بذلك الصباغ ..لذلك بقيت الناس محافظة عليه بإسم المُقرئ أي الذي قرأ منه  . 


هذا الشيئ دفعني حقيقة إلى البحث أكثر في موضوع الصباغة و خصوصا منها القديمة التي كانت تستعمل قبل ظهور الطلاء الحالي ..


وجدت حجر مشابه له يباع لدى محلات العطارة ووجدت حجر ومسحوق مشابه ، لكنه ليس طبيعي إنما هو مُصنَّع من خلال استخراجه من دودة القرمز التي تطلق مادة صبغية ذات لون احمر ارجواني يسمى "الكارمين" ، وهنا زاد التفاتي أكثر لتسميته ب "كارمين" و علاقة بكلمة "كريم" ، و هنا رجعت إلى نفس تسمية الحجر الأول الصبغي الذي يسمى بالمقرئ و علاقته بالقراءة و مباشرة تذكّرت كلمة "قرآن كريم" :

[إِنَّهُ لَقرآن كَرِیم ▪︎  فِی كِتاب مكنُون ▪︎ لَّا یمَسُّه إِلَّا ٱلۡمُطَهَّرُونَ] الواقعة .

بالضبط تماما ، كلمة كرامين التي أطلقت على هذه الصبغة التي تستخرج من دودة القز هي كلمة محرّفة عن كلمة "كريمة" ، أي الصبغة الكريمة التي كتب به القرآن الكريم .


القصة لم تتوقف هنا ، فهناك صبغة شعبية أخرى موجودة تقليديا لدى منطقة حضرموت باليمن ، وهي عبارة عن مادة جيرية تضاف إلى الصباغ لكي يحافظ على قوته مع مرور الوقت ، وهذه المادة تدعى بـ"النورة" حيث يتم تحضيرها من مادة الجير و تضاف إلى الطلاء كي يحافظ على قوته ...وهنا علينا طرح سؤال آخر حول تسمية الحجر بإسم "النورة" فأكيد ان الناس لا تطلق الأسماء على الأشياء اعتباطا بل هناك مغزى .

ماعلاقة كلمة "نورة" بالنور ؟

[فَئامِنُوا۟ بِٱللَّه وَ رَسولِه و النُّورِ ٱلَّذِی أَنزَلۡنَا وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِیر ] التغابن

[فَٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ بِه وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَٱتَّبَعُوا۟ ٱلنُّورَ ٱلَّذِي أُنزِل مَعَهُ أُو۟لَئكَ هُمُ المُفلِحُونَ] [سورة الأعراف 157]

لا حظ كلمة النور في الآيتين ، النور الذي أنزلنا و النور الذي أنزل مع الرسول  ، و صف النور هنا المقصود به هو الكتاب ...و أكيد أن هذا الكتاب كما توصّلنا قد استعمل فيه نفس مادة النورة في الصباغ الذي كتب به (النورة=النور) . 


 النتيجة هي أن الصبغة التي يقصدها القرآن هي صبغة الكتاب الأول الذي خرج منه القرآن ، صبغة الله التي خلقها طبيعيا ، فالكتابات التي سميت هيروغليفية و حرّف منطوقها ..هي كتابات استعمل فيها مادة الصبغة بجميع أنواعها و يمكنك ملاحظة هذا في جل الجدران التي كتبت عليها الكتابات . 


[ألم - ذلك الكتاب لاريب فيه هدى للمتقين - الذين يؤمنون بالغيب و يقيمون الصلاة و مما رزقناهم ينفقون ... ] البقرة 

.

.

.

.

.

.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق