الاثنين، 5 أكتوبر 2020

علم التسبيح -ج2-

_ مامعنى "التسبيح"  ؟ _

لو تلاحظ معي أن جل القنوات المنتشرة التي تبث أشرطة وثائقية ، تحاول دائما أن تصور حياة الحيوانات بجانب بعيد كل البعد عن تعلّقها و علاقتها بالإنسان .. مثلا تصور لك كيف تتزاوج الحيوانات ، كيف تأكل الأسود الغزال ، الحمار الوحشي يهاجر باحثا عن الماء ، الدببة تنام في الشتاء ... بالمقابل تجعل الناس يبتعد فكرها تماما عن علاقة هذه الحيوانات بالإنسان  و عن  فرضيات دور تلك الكائنات في الواقع الحياتي للإنسان ، وكيف يستفيد الإنسان منها .
لكن عندما ينتقلون للتكنولوجيا و الصناعة البشرية تجدهم يربطونها بحياة الإنسان بشكل رفاهي رهيب و كأن الحياة جحيم بدونها ، تجدهم يربطون دائما علاقة تلك الآلات بالإنسان  ودورها في حياته المعيشية ، بمثال كيفية زيادة و تطور سرعة المحرك ، قوة التحمل وعدد المقاعد وفخامة الشكل ، تاريخ اختراع الطائرة ... اشرطة تجعل شروط حياة الإنسان متعلقة بكل ماهو صناعي .

هذه المقدمة كفكرة عامة جعلتني أحتار في سبب بعدنا عن البحث في علم كل ماهو طبيعي و انشغال حياتنا بكل ماهو صناعي ،  وجعلتني أدخل  في ما معنى التسبيح حقيقة  ؟

عند البحث عن آيات القرآن التي تذكر التسبيح ، نجد آيتين فيهما فك و حل لتساؤلاتنا عن حقيقة التسبيح ...هما :

- [ كَی نُسَبِّحَكَ كَثِیرࣰا •  وَنَذكُرَكَ كَثِیرًا ]
(سورة طه 34 - 35)

الآية 34 و 35 من سورة طه ،تجعل التسبيح شيى منفصل عن ذكر ، موسى و هارون عليهما السلام حسب تفصيل الآية ذَكَرا لله انّهما سيسبحانه كثيرا و يذكرانه كثيرا ، واو الربط تشير إلى أنهما طريقتان منفصلتان عن بعضهما ، فالتسبيح شيئ منفصل عن الذكر .
أنا هنا لا أدعوا الناس لأن يتوقفوا عن قول سبحان اللّه ، فهي عبارة قولية تدخل في خضم و تصنيف الذكر ، فعندما أقول قوليا عبارة سبحان الله و ارددها فأنا أذكر اللّه وأنسب له السُّبحان ..أما عن التسبيح الفعلي الخارج عن النطاق القولي فهو عملية مغايرة ، ولمعرفة المعنى الحقيقي لهذه العملية فما علينا فيه إلاّ البحث عن معنى كلمة "سبحان" ؟

دائما مااعتمد في طريقة معرفتي لمدلول الكلمات طريقة واضحة و صحيحة و عقلانية ، الطريقة تعتمد على معرفة معنى الكلمة لسانيا ، فالتسمية للاشياء و الظواهر لا تاتي من منطلق فراغ إنما هناك خصائص ارتباط بين التسمية و سبب التسمية ، وهو مايطلق عليه "علم الأسماء" فهو علم ينتشر اليوم بشكل محرف لعلم آخر يسمى "علم الحروف" ويتم استهلاكه بمنطق لا عقلاني ، فهناك منهم من يعطي أن لكل حرف معنى معين ثم يقوم ببعثرة الكلمة وتحليل حروفها ثم استنتاج معناها وفقا لخصائص كل حرف ، و الحقيقة أنها طريقة فوضوية تجعلك تخلط الحروف في معنى غير متقارب إطلاقا ... العلم المنطقي للكلام هو علم الأسماء فيمكنك معرفة معنى الإسم اقترانا بالإسم المسمى .

عندما نقول كلمة "سبحان" فإنّ أقرب نطق لساني يقربها هو "السباحة" و السباحة هو إسم أقرناه بالشخص الذي يجيد المرونة و التكيف في الماء أو على سطحه ، بحيث يمكنه التحرك داخل الماء بسهولة تامة دون أن يغرق أو يفقد توازنه داخل الماء ،و بالتالي فإن كلمة السباحة تعني التأقلم و التكيف داخل كيان معيّن دون أن تفقد التوازن ، الشخص او الكائن الذي يسبح في الماء نطلق عليه كلمة "يعوم" من العوم و هي الكلمة التي تختص صراحة بمن يعوم في المياه ، لكن السباحة ككلمة اقترنت بالمياه لأنّه الكيان و البؤرة التي نادرا مايتكيف و يتأقلم الإنسان داخلها كونها بيئة لا تتلائم مع خصائصه التنفسية ، و لو كان الإنسان كائن مائي يعيش في الماء و بيئته غير برية فإنّه لو خرج من الماء و مشى في البر سنسميه وقتها يسبح في البر ...فكلمة السباحة مدلولها الخاص هو تكيف الكائن و تعايشه مع بيئة و بؤرة معيّنة دون ان يفقد توازنه .
- يسبح = يفعل .
- سُبحان = فُعلان .

السُّبحان هو جميع الكائنات و العناصر التي تتكيف مع الكون دون ان تُفقِده توازنه او تُفقِد الكون توازنه ، فمثلا عندما نرى حصان فإن مهتمه هي ركوب من طرف الإنسان و التنقل عليه ، فمهمته الرئيسية التي يسبح بها في الكون هي ركوب الإنسان عليه و التنقل به دون ان يكون للحصان أي آثر سلبي على الحياة ..وهكذا فإنّ لكل عنصر في الحياة دور معيّن يتكيف و يسبح به في الكون (سباحة) .

نحن عندما نرى مثلا قط يقفز من مسافة بعيدة أو يتسلق شجرة بطريقة بهلوانية مبهرة ، فنقول مباشرة بعدها بشكل فطري "سبحان اللّه" فإننا نقصد بكلمة سبحان الله أن هذا القط هو عنصر من العناصر السابحة في الكون و التي خلقت من أجل دور معيّن و حركته تلك اعطاها له اللّه كي نُسخِّرها في الكون دون إفقاد الكون توازنه ،وعندما نقول عدم إفقاد الكون توازنه هو عدم استعمال تلك النعمة في أشياء سلبية تاثر بالسلب ، فمثلا لو شخص يقوم باختراع شيئ لم تخلقه الطبيعة ويقوم بتسخيره في دور غير دوره الذي أنشى من أجله ، فهنا يعتبر قد اخترق قوانين الميزان الطبيعي للكون ، فلو مثلا جلبت الحديد و المعادن و قمت بصناعة سيارة و استخرجت الوقود الأحفوري لتفعيل تلك السيارة ثم تبيّن لك أن طريقة تسخير عملها الذي أنشأته له سلبيات على الناس و الطبيعة ، كالتلوث و تأثير الغازات المنبعثة على التنفس و غيرها ؛ فهنا تكون قد اخترقت الميزان و خلقك الذي اختلقته يعتبر كفر بالعنصر المحدد الذي سخره اللّٰه من أجل التنقل والركوب ، فالحصان لا يملك انبعاثات و لا استنزاف للثروات الباطنية من اجل سيره اما السيارة فتملك عدة سلبيات سواءا بالكيفية التي صنعت بها من المصانع التي تلوث الطبيعة او الطريقة التي تشتغل بها من وقود يسبب مردود سلبي على الشجر و الأرض قبل الإنسان .

الآن عند العودة لكلامنا الذي ذكرناه في البداية ، فالإنسان اليوم لايعرف كيف يسبح لتسخير جميع الكائنات الطبيعية في حياته ، و بالمقابل يلجئ إلى تسخير عناصر موجودة في هذه الحياة لغير محلّها ، فلو يبحث الإنسان مثلا و يجد أن البترول و الغاز و باقي معادن الأرض لها علاقة بزيادة خصوبة الأرض والحفاظ على اامياه الحوفية ثم يأتي ويستخدم ذلك العنصر في إشعال النار او تشغيل محركات احتراق والذي يشبب مردود سلبي على نقاوة الهواء و يلوثه ، فهنا قد استعمل العنصر المسخر في غير محلّه و اعتدى على الكون من اوكسيجين و أشجار و حيوانات و اناس مثله ،وذلك سيرجع عليه لا محالة بالامراض التنفسية و الرئوية كما التي يعاني منها العالم اليوم حتى اصبح الاوكسيجين يباع في القارورات بسبب التلوث ونقص نقاوة الهواء .

الإنسان اليوم لايعرف كيف يسخر القط و الزرافة و الفيلة و الحشرة و الطير وكل ماخلقه الله طبيعيا ، و يلجى إلى علوم صناعية ظهرت منذ الثورة الصناعية التي اقرنوها بما يسمى "النهضة الأوروبية" التي لم تأتي إلا بالاوبئة و الفساد وبرفاهية مغشوشة في ظاهرها وباطنها عذاب .

فالتسبيح هو معرفة تسخير سبحان اللّه من كائنات وموجودات طبيعية من خلق الله في دورها الذي خلقت من أجله دون إخلال بالميزان الطبيعي .

[ الَّذِینَ یَذكُرُونَ ٱللَّهَ قِیامࣰا وَقُعُودࣰا وَعَلَى جُنُوبِهِم وَیتَفَكَّرُونَ فِی خَلقِ السَّمَاواتِ والأَرضِ رَبَّنَا مَا خَلَقتَ هَذَا باطِلࣰا سُبحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النّار ]
[سورة آل عمران 191]

لاحظ جيدا الآية فقد جعلت ذكر اللّه في جانب ، ثم انتقلت إلى عبارة "التفكر في خلق السماوات و الأرض" أي التفكير كل ماخلق الله في السماوات و الأرض ومعرفة كيفية تسخير ذلك السبحان الذب يسبح في الكون بتأقلمه و دوره في الحياة دون إخلال بالتوازن ، لأن الله لم يخلق ذلك باطلا ، فلم يخلق الفهد و لا الأسد و لا الزرافة و لا الحشرة و لا أي شيئ من خلقه بباطل إنما لكل خلقه دوره ، فعلينا معرفة تسخير ذلك دون اعتداء على الميزان .

[فأَقِم وَجهَكَ لِلدِّین حَنِیفࣰا فِطرَتَ اللَّهِ التِی فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَیها لَا تَبدِیلَ لِخَلقِ اللَّه ذَلِكَ الدِّینُ القَیِّمُ وَلكِنَّ أكثَرَ النَّاسِ لَا یَعلمُونَ]
[سورة الروم 30]

لاحظ الآية و اقرأها بشكلها كما نزلت دون أن تسقط فيها اي لغو يلغيها ، الآية تقول أنّه لاتبديل لخلق و تذكر بأنّه ذلك هو الدين القيّم ، يعني أيها المسلم أهم شيئ قيّم في دَينِك للّه هو عدم تبديلك لخلقه ، فهل نحن اليوم على الدين ..توجد الاف الصناعات التي تخل بالميزان الطبيعي و الخلق الطبيعي و الناس مفتونة بشكلها ورفاهيتها العامة متناسية ماتهلكه في هذه الأرض التي تتحول إلى جحيم من أمراض و أوبئة ، كله فقط بسبب إخلاله بالميزان الطبيعي .

(ٱللَّهُ ٱلَّذِیۤ أَنزَلَ ٱلۡكِتَـٰبَ بِٱلۡحَقِّ وَٱلۡمِیزَانَۗ وَمَا یُدۡرِیكَ لَعَلَّ ٱلسَّاعَةَ قَرِیبࣱ)
[سورة الشورى 17]

الآية تذكر أن الله أنزل الكتاب بالحق و الميزان ، أي فيه الميزان الذي يمنع اي اعتداء على عناصر الكون كاملة ، الحفاظ على توازن عناصر الكون كاملا ، فاختلال الميزان يعني نهايته عن بكرته .... يتبع



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق