- كيف اخترعو لنا خط الكتابة الحالي ؟ -
مناهج التعليم في المرحلة الإبتدائية المفروض أن نصنفها من أخطر وأهم المراحل التي ينبغي الإعتناء بها ، اللبنة الأساسية لتكوين الإنسان المتعلم يجب أن تكون من الصغر وبالخصوص في تعلم الكتابة والقراءة ، فتكوين الولد على إستخدام العقل و دراسة ماهية الأشياء الملقّنة أصح وأقوم من الطريقة الحالية التي تعتمد على التلقين عن طريق التحفيظ الجامد ، التلقين والتحفيظ الذي لاجدوى منه سوى تكريس عقدة التبعية وإغفال وسيلة العقل التفكيرية .
مانود التطرق إليه في هذا الموضوع هو تعليم الحروف ، فتعليم الحروف وفي جميع الدول العربية يعتمد بالأساس على طريقة التحفيظ المباشر ، و الجميع ممن دخل المرحلة الإبتدائية لتعلم القراءة و الكتابة قد مرّ على أهم خطوة يتم الإعتماد عليها ، وهي أن يحفظ الطالب الحروف من الألف إلى الياء حفظا مباشرا ، بحيث يتمكن من معرفة نطق كل شكل من الحروف الثمان و العشرون ثم يتعلم كتابتها ثم ينتقل لمرحلة كتابة الكلمات ثم الإملاء حتى يصبح متمكنا من الكتابة والقراءة بشكل فردي ... لكن من كل هذه المرحلة يتم إغفال نقطة مهمة جدا بل من المفروض أن تكون من أول مايتم شرحه للمتعلم ، النقطة هذه هي معرفة ماهية الحروف ، أو بالأحرى معرفة سبب كتابة الحروف بهذا الشكل او الرسم أو الخط ، لماذا الحروف التي تُكتب بها العربية كُتِبت بهذا الشكل الخطي الحالي ؟
أولا يجب فهم شيئ ، وهو أن اللسان ليس نفسه الخط الذي نكتب به ، فعندما نكتب كلامنا بالنظام الكتابي الحالي او الرسم الحالي ، فالرسم الخطي هو من أُخذ صورته من النطق وليس العكس ، فعندما أكتب كلمة "منزل" بالرسم الحالي ، أستطيع أن أكتبها بأي رسم و خط آخر باللاتيني أكتبها "manzil" ، فهل الكلمة التي كتبتها بالخط اللاتيني هي كلمة فرنسية ؟ اكيد لا ،هي كلمة عربية ونطقها عربي إنما كتبت بالخط اللاتيني فقط.
بمثال عكسي آخر ، عندما أكتب كلمة "Home" الأنجليزية بنظام الخط اللاتيني ، ثم أكتبها بالعربية "هَوْم" فهل الكلمة عربية ؟ اكيد ليست عربية فمنطوقها أنجليزي ..بالمختصر المفيد نظام الخط الكتابي لايمثل اللغة إنما مايمثلها هو منطوق لسانها ... ربما هناك من فهم المقصود وهناك من استصعب عليه ، سنواصل الحديث وسنفهم أكثر .
نعود لنظام الخط الذي نعتمد عليه في كتابة العربية ، ماهو المعيار و الأساس الذي اعتمد عليه في تأسيس هذا الخط لكتابة الحروف بتلك الأشكال ، الموضوع مهم جدا لأنه من حقي و من حق كل عربي يكتب بالخط الحالي التساؤل عن كيفية اختراع هذا الخط الكتابي ..لماذا نكتب حرف الألف بهذا الشكل "أ" ولماذا نكتب الباء بهذا الشكل "ب" لماذا نكتب بتلك الأشكال حروفنا الألفبائية ..ماهو المعيار الذي اعتمد عليه في اختراع الخط الكتابي لتلك الحروف ، وماهي الرابطة التي تربط شكل الحرف بنطقه الصوتي ؟ أسئلة مشروعة بل فرض علينا ان نعرف تاريخ خطّنا .
للإجابة على هذا السؤال ، دعونا نعرف مامعنى "الحروف"؟ ولماذا نسمي كل منطوق صوتي بالحرف ؟ وهل يعترف القرآن بتسمية الحرف ؟
عند البحث في القواميس عن المعنى اللساني لكلمة " الحرف" التي نطلقها على كتابة المقاطع الصوتية لاتجد تعريف ومعنى معين ، وكلها إجابات غير مقنعة ..المفروض أنّ تسمية كتابة المقاطع الصوتية بالحروف تكون ذات معنى مرتبط بالكتابة فتكون إسم على مسمى ، لأن تسمية الأشياء يجب أن تكون بنفس خصائص الشيئ المسمى، حيث الإسم يدل على نفس خصائص الشيئ المسمى ، بمثال أننا عندما نسمي المسطرة مسطرة كون أهم خاصية فيها هو التسطير .
عند البحث الواقعي عن معنى إسم "حرف" فيجب علينا اتباع مصدر اشتقاف الإسم ، والحقل اللساني لكلمة حرف يكون كالتالي :
حرف = حرّف = يحرّف = تحريف = محرّف...
فهل أطلقت الناس قديما على رسم الكتابة الحالية الحروف كونها محرفة عن رسم قديم ، هل الناس كانت تتبع نظام خط كتابة معيّن ثم انتقلت إلى نظام كتابة جديد ، واستدعى ذلك تسمية الناس النظام الكتابي الجديد للمنطوقات الصوتية بإسم الحرف ؟ .
عند البحث عن معنى الكلمة في القرآن كونه مصدر علمي محفوظ لدى منطقتنا العربية ، نجد أن الكلمة وردت في القرآن ، لكن معنى الكلمة في القرآن الكريم لايقصد به المعنى الذي نستعمله للدلالة على خط الكتابة الألفبائية إطلاقا ، حيث وردت الكلمة مرّة واحدة في الآية 11 من سورة الحج كالتالي :
[ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير إطمئنّ به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا و الآخرة ذلـك هو الخسران المبين ]
والمعنى بالحرف هنا هو الإنحراف والزيغ ، الحرف في معنى الآية السابقة هو تبيان حال الشخص الذي يعبد الله عبادة على غيرِ أصل ، عبادة زائغة حيث إذا أصابه خير فرح وان اصابته فتنة كفر .
حرفٍ = غَيرِ أصل .
وهذا يتطابق مع تعريفنا السابق للحرف بأنّه مشتق من كلمة إنحراف وتحريف ، وهو مايبرهن نظرية كون الخط الكتابي الحالي الذي نستعمله قد ظهر واخترع من تحريف وتبديل لنظام كتابي سابق كان موجود، فلذلك سموه الناس "حرف" ، فالناس قديما لاتسمي الأشياء هكذا وفقط إنما تسميها على سبب وخاصية ، فهم سموه حرفا لأنهم رأو فيه أنه محرف عن خط كتابي أصلي كان موجود لديهم .
عند البحث في التراث الكتابي ، تجد حديث غريب للبخاري و باقي الكتب التي تتحدث بإسم الرسول (ص) ، الحديث كالتالي :
«مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، لَا أَقُولُ الم حَرْفٌ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ» أخرجه البخاري و رواه الترمذي وصححه الألباني .
الحديث هذا حديث محرف و الالباني لم يصححه ، إنما وثّق حديثا محرفا وحاشا لرسول الله أن يقول كلاما يتنافى مع القرآن ، لأنّ القرآن لايسمي المقاطع الصوتية في بداية السور بحروف مقطعة ، لايسميها حروفا بالمطلق بل يسمّيها آيات ، وسأبرهن لك من خلال القرآن وأرجو أن تنتبه معي جيّدا وتنصت للقرآن .
[ألـر تلك آيات الكتاب الحكيم(1) ] سورة يونس .
[ألـر تلك آيات الكتاب المبين (1) ] سورة يوسف .
[ألمر تلك آيات الكتاب والذي أنزل إليك من ربّك الحق ولكن أكثر الناس لايؤمنون ] سورة الرعد .
[طس تلك آيات الكتاب وقرآن مبين ] سورة النمل .
لاحظ معي الآيات السابقة ، كل آية تسمي المقاطع الصوتية بالآيات و لاتسميها حروفا بالمطلق ..ألف لام راء ميم طاء سين كلها مقاطع صوتية يسمّيها القرآن آيات ، القرآن يشير بإشارة واضحة وصريحة وبيّنة بعد ذكره للمقاطع الصوتية ويقول تلك آيات الكتاب ، ولايقول بالمطلق (تلك حروف الكتاب) ... إشارة "تلك" تعود على المقاطع الصوتية لتوضّح لك أيها المسلم أنّها آيات وليست حروفا ...وهذا مايتنافى مع حديث البخاري المحرف .
عند العودة للحديث المحرف الذي اخرجه البخاري ، والذي أُريد به طمس حقيقة الحروف الحالية ، حيث خالف البخاري إرشاد القرآن الذي سمى الحروف آيات بوضوح واضح ، فنجد أن حديث البخاري يكون صحيحا عندما يكون كالتالي [لا أقول ألم آية ولكن ألف آية ولام آية و ميم آية ] وليس كما قال البخاري بأنّ الف حرف ولام حرف و ميم حرف ....فهو بذلك أراد طمس حقيقة أن المقاطع الصوتية تسمى آيات وليس حروف .
إذا كان القرآن لايعترف بتسمية الحروف ، ويعتبر المعنى اللساني لكلمة حرف كما ذكرنا سابقا ، بأنه لفظ يقصد به الدلالة على عدم الأصالة والتحريف ، فيمكننا الجزم بأن نظام الكتابة الذي نعتمده اليوم هو نظام كتابة غير أصلي ، بمعنى أنه منحرف ، وأنه كان هناك نظام كتابة قديم أصلي تكتب به العربية ، و بمعنى آخر الناس سمو رسم ونظام كتابة الحروف الحالي بالحروف كونه منحرف و غير أصلي ،وأن هناك نظام خط كتابة أول وسابق وقديم كان معتمد قبل خط الحرف الحالي .
الآن نعود لطرح سؤالنا الأول كي نغلق الموضوع ، ماسبب رسم وكتابة المقاطع الصوتية للألفبائية بالرسم و الشكل الخطي الحالي الذي استحدث ، ماسبب كتابة حرف الميم بالرسم "م" ، ماسبب كتابة حرف الكاف بالرسم "ك" ..الموضوع مهم جدا لأنه يتعلق بتاريخنا وذاكرتنا ويجب أن نعرفه ، يجب معرفة ماهية الخط الكتابي الحالي الذي نعتمده في كتابة العربية ..مستحيل أن الناس قديما اخترعت الخط الحالي للمقاطع الصوتية دون أي خلفية أو دلالة ، فيجب ان يكون لكل منطوق صوتي علاقة مع مايعنيه من رسم خطي مقابل له ، فعندما جعلت لي النطقي الصوتي "طااء" يكتب بالشكل "ط" عليك أن تعطيني سبب كتابتك له بهذا الشكل ومالقرينة أو الفكرة التي جعلتك تكتبه لي بذلك الشكل ، الإنسان عندما يبتكر شيئ فإنما يبتكره عن علم ودراية وسبب واضح ، لكن عندما تبحث في سبب كتابة خط الحروف بالشكل الحالي لاتجد إجابة مقنعة إطلاقا .
هناك نظريات تحاول أن تلصق فكرة أن الحروف الحالية ظهرت نتيجة تطور من خطوط كتابية قديمة ، لكن كل الدلائل التي تقدمها تلك النظرية ليست مقنعة بالمطلق ، ففي المقارنة بالخط الكتابي الحالي و الخطوط التي يريدون إلصاقها بها لاتجد ذلك التشابه الواضح بالمطلق ،حتى ولو فرضنا أنها تطورت عنها فمالذي يدفع الناس إلى تطويرها ، الم يكن يكفي النظام الأول ..المفروض أن الإنسان يحافظ على خطه الكتابي الأوّل لأنه يحفظ أرشيفه وذاكرته ولايتخلى عنه بالمطلق ، لأنه لافائدة من اختراع نظام كتابة جديد وهو أصلا يملك خط واضح ويستعمله بشكل عادي ، فنحن حاليا لا نستطيع تبديل نظام الكتابة الحالي إلى النظام اللاتيني إلا إذا كان ذلك نتيجة لتدخل بقرار من القوى السياسة الحاكمة أو بسبب استعمار فكري ، أو بسبب احتلال يقضي بإنهاء نظام التعليم المدرسي وتحويره وفق نظام تعليمي يعتمد خط آخر إجباريا .
فهل نظام كتابتنا الحالي هو نظام محرف ، بمعنى هل كان هناك نظام كتابة أصلي وتم تحويره إلى خط كتابي جديد ، هل سمّ الناس نظام كتابة المقاطع الصوتية الحالي حروفا كونه محرف ولايمثل النظام الكتابي الأصلي الذي كان متداول قديما ؟ نعم هذا ماحدث ..إذا مالحل ماهو نظام كتابتنا الأصلي و الطبيعي !! .
الحل موجود في القرآن ، بل أن القرآن يشير بلهجة شديدة الخطاب إلى نظام كتابي مختلف كان معتمد قديما ، وهو قد أعطاك المقاطع الصوتية في بداية بعض السور ويقول لك تلك آيات الكتاب ليدلك على كتاب قديم كان مكتوب بخط قديم أصلي ، ومقاطعه الصوتية تسمى آيات وليست حروف محرفة .
[ألم (1) ذلك الكتاب لاريب فيه هدى للمتقين ] لاحظ وركّز معي جيدا القرآن يقول لك "ذلك" و ليس "هذا" بمعنى يدلك على كتاب فيه مقاطع صوتية الف و لام وميم بنطق عربي ، ويدلك عليه من أجل أن تجده وتفك شيفرة قراءته باستعمال مقاطع آيات القرآن هذه .
[ألـر تلك آيات الكتاب الحكيم(1)] لاحظ جيدا القرآن يقول لك "تلك" إسم إشارة يدلك على آيات كتاب ذات نطق صوتي عربي ، يعطيك منطوق ذلك الكتاب لتبحث عنه وتفك شيفرته ، وذلك عن طريق معرفتك لمنطوق مقاطعه الصوتية ألف و لام وراء ..بمعنى أنك عندما تجد ذلك الكتاب ستتمكن من قراءته مباشرة بمعرفتك لمنطوق خطه الكتابي ومقاطع كلماته التي سماها القرآن آيات .
اظن أن الجميع قد وصلت له الفكرة ، ومع ذلك سنمحص في الموضوع أكثر في مقالات قادمة إن شاء الله كي يزال اللثام عن ما جُهل فهمه .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق