القرآن يملك شيفرات كبيرة ، كل آية وحرف وشكل بحقّه ويحتاج درجة تركيز قويّة .
"قالوا ما أخلفنا موعدك بملكنا و لكنّا حمّلنا أوزارا من زينة القوم فقذفناها فكذلك ألقى السّامري (77) فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم و إله موسى فنسي(78)" سورة طـه .
يعني هنا قوم موسى قالو له أنّهم لم يخلفوا موعده بملكهم ، لكن السبب هو في الأوزار التي حمّلت عليهم .
أولا مامعنى أوزار ؟ البعض يفسر معنى أوزار أنّها جمع وزر ... لكن المفروض أن الصفة لاتجمع ، لأنّ الوزر صفة .
يعني كان من المفروض أن يقولو "حملنا وزرا من زينة القوم" ..فلماذا أوزار؟
أوزار ليست جمع وزر ، إنما هي جمع زير .
الزير هو عبارة عن إناء فخّاري قديم كان يستعمله الأجداد ، بحيث أنّه سميك وقوي ويتم صنعه من نوع خاص من الطين وتحت درجة عالية من الحرارة ،من أهم مميزاته أنّه يحافظ على درجة حرارة او برودة الشيئ الذي وضع داخله ...تتميز طبقته فخّاره بالقوة والصلابة نظرا لغياب أيّة مسامات يمكن ان يدخل من خلالها الهواء الذي يحفظ درجة حرارة او برودة الشيئ الذي داخله ولايتغيّر بالمطلق .. وهو يصنع باحجام مختلفة سواءا صغيرة أو كبيرة ..المهم أنّه نوعية تتميز بصنع يحافظ على التكيف الداخلي لما يوضع فيه بسبب الضغط الذي داخله والذي يمنع تسرب اي جزيئ خارج هذا الإناء .....فهو إناء يحافظ على درجة الضغط وبالتالي عدم دخول او تسرب جزيئات تغير من وضعية تكيف الأشياء التي داخله .
عموما مامعنى إسم الزير و مامصدر الكلمة الأصل ؟
إذا قلنا أنّ الزير وجد للحفاظ على درجة تكيف معينة ، فإن الضغط هو العملية التركيبية الوحيدة التي تحافظ على الهواء التكيفي ، فمثلا عندما ننسف داخل البالون فإن فمنا نلاحظ عليه درجة إنضغاط جراء اختزان الهواء ، وكذلك البالون فمجرد تسرب صغير يعني إنفجار البالون وخروج هواءه ... لأن الضغط يجب أن يحفظ في شيئ سميك لاينفجر .
حتى أنّ كلمة "زير" أجد لها ترابط وثيق مع لفظة "زيّر" وهي كلمة متداولة لدينا في الجزائر تعني "إضغط" .
وحتى في كلامنا العام نقول إضغط "زرّ" لوحة المفاتيح ، و كما يعلم الجميع فإن الضغط يتم بوضع الإصبع بقوة على إحدى مفاتيح اللوحة من اجل تمرير الامر ، ويكون بالضغط...
حتى زر الملابس فهو عبارة عن قفل يضغط اللباس حول الجسم لمنع سقوطه او عدم تلاءمه مع حجم الجسم.
يزير=يضغط
زير=ضاغط
اوزار=ضواغط
يمكنك التحقق أيضا برؤية شكل الزير المصنوع باشكال متنوعة ومزخرفة ، ومقارنته بزجاجيات المخابر التي تستعمل في التجارب ، وستجدها بنفس الشكل ، لأن التجارب الغازية التي تعتمد على البخار هي بالأساس تعتمد على الضغط الذي يستخرج جزيئات الغاز على حسب اختلاف شكل الزجاجة المخبرية التي تنتج الضغط .
ثانيا ، هم قالو أنّ الأوزار التي حمّلوها من زينة القوم ؟
المعروف أن كلمة زينة ، نطلقها على أي شكل جميل وملفت للإنتباه او جذاب ... وهو مايتلائم مع شكل الاوزار المتنوعة ، ويمكنك مقارنة اشكال الزينة التي تضعها المراة حلق اذنها ، او حتى التي تضعها في عنقها ، وستجدها بأشكال مدورة ومنحنية ومتنوعة ، وفيها حتى من تشبه أشكال الزير ... والزير في اشكاله المتنوعة يشبه ايضا قنينات المخابر التي تستعمل في استكشاف الغازات من البخار .
لكن من هم القوم الذين حملوا أوزارهم (ضواغطهم) ؟
﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَىٰ قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَىٰ أَصْنَامٍ لَّهُمْ ۚ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَٰهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ ۚ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138)﴾
هنا القصة بعدما تجاوز بنو اسراىيل وموسى للبحر بعد حادثتهم مع فرعون ، اتو على قوم والإتيان هنا لا يعني أنهم مرو على قوم كما تروجه التفاسير ، بل أتو بمعنى انهم انتقلو الى مكان جديد لقوم جديد ، هذا القوم الذين أتى اليهم موسى ومن معه وجدوهم يعكفون على أصنام ، والمعروف أنّ الصنم هو الشيئ الذي لايسمع و لايرجع قولا ، فوجدوهم لتلك الأصنام عاكفين ، بمعنى الإعتكاف والذي هو التعلق بشيئ معين وعدم تركه لدرجة التقديس ، فالإعتكاف عكس العبادة ، لكن كثرة الإعتكاف على شيئ تولد عبادته بعد مدة ... هنا قوم موسى طلبوا من موسى أن يجعل لهم إلاها كما لدى القوم من آلهات ، لانهم من كثرة اعتكافهم لها ضنوا انها آلهتهم .
هذه الاصنام التي لاترجع قولا ولا تستمع ليست بالضرورة احجار كما ترسّخ في وعينا ، إنّما هي الأوزار التي ابهرت قوم موسى ،وكما قلنا الأوزار هي جمع زير ، التي تستعمل للحفاظ على الضغط .
نرجع للآية التي نحن بصدد مناقشتها ، ذكر ان موسى ومن معه حملوا اوزارا من زينة القوم ، والذين هم القوم الذين اتو عليهم ، وبعدها مباشرة ذكرت كلمة "فقذفناها" ...
معنى كلمة قذفناها هو ركّبناها ،وليس بمعنى رمي الشيئ او رجمه .
مثلا نقول قذيفة وهي عبارة عن ذخيرة تتكون من مركبات متعددة من المواد الكيمياىية والموضوعة بشكل مركب وتنفجر عند رميها .
"بل نفذق بالحق على الباطل فيدمغه" أي نركب الحق على الباطل فيدمغ الحق الباطل ، بمعنى يتغلب عليه ويمحقه ويسحقه.
"واوحينا إلى أم موسى أن اقذفيه في التابوت واقذفيه في اليم فليلقه اليم بالساحل"
هنا اقذفيه لاتعني ارميه لانه لو يرمى الصغير يموت ، بل تعني ركّبيه في التابوت ثم ركّبيه في اليم والتركيب يكون بشكل منظم وبلين.
"فقذف في قلوبهم الرعب " بمعنى ركّب في قلوبهم الرعب ، والى يوم نتداول شعبيا كلمة "ركبني الرعب"
قذف = ركّب .
فقذفناها = ركبناها .
"حملنا اوزارا من زينة القوم فقذفناها" إذا هم ركّبو الضواغط (الأوزار) في بعضها البعض .
ثم ذكر في الآية "وكذلك ألقى السامري" ، السامري هو من ألقى عليهم كيفية تركيب تلك الاوزار الضواغط .
"فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار"
لدينا في المنطقة شعبيا ، نتداول كلمة "خرج" للدلالة على المنتوجات او آخر المنتوجات المخترعة ، فنقول مثلا "خرج هاتف جديد" أو "خرجت نوعية جديدة" ...الخ .
حتى في القرآن نجد كلمة "خرج" تعني "إختراع"...
كما هو الحال في المثال القرآني لقصة ذي القرنين التالية :" قالو هل نجعل لك خرجا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا" سورة الكهف.....فكلمة "خرجا" هنا معناها "اختراعا" ، وقام بعدها بإعطاءهم مواصفات الإختراع الذي سيبني به السد ليأتو به له ،وهو الإتيان بزبر الحديد ومزجه بالقطر والى باقي الآية ... إذا اخرج معناها اخترع .
والإختراع(الخرج) حسب الآية هو علم يعتمد على مزج عدة أشياء بقواعد معينة أي تركيبها ، لإخراج منتوج يملك ميزة معيّنة ...وميزة العجل الذي اخترعه السّامري في النتيجة النهائية هو إصدار الخوار ..وهو أشبه بالآلة البخارية التي تصدر صوت الخوار من منفذ خروج البنزين المحروق او صوت المحرّك (ونشكر الأخ و الصديق الذي أعطاني هذا التصوّر حول انه آلة ) ،وعموما فكرة مااخترع لهم هي وليدة المعرفة بمعنى الخوار ... الملاحظ أنك لو تذهب إلى محرّك سيارتك او اي سيارة اخرى ، فإن الميكانيكي يعتمد كأوّل شيئ على صوت المحرك إذا كان فيه مشكل .. والصوت الاقرب للخوار هو صوت "الكاربيراتير" في محرك السيارة ، والتي يكون صوتها كالتالي (خرررخرررخررر).
دعونا ندقق أكثر ، الآية تقول "أخرج لهم عجلا جسدا" ..العجل الجسد هو هيكل مجسد بعجل ، والعجل لايعني بالضرورة شكل إبن البقرة ، العجلة التي نستعملها في محرك السيارات أوالتنقل أو في الأجهزة الميكانيكية نسميها عجلة لانها مسرعة للحركة الميكانيكية و هي المقصودة في الآية .
عندما أقول لك كلمة "عجل" أو استعملها لك في عبارة وأقول لك "أتيت في عجل إلى العمل" أي اتيت بسرعة إلى العمل ...او أقول لك "لاتعجل" بمعنى "لاتسرع" .
والمعروف أن الشكل الدائري في الأجهزة الميكانيكية هدفه توليد الحركة لزيادة السرعة ، حيث يتم ربط عدة دوائر حلقية ببعضها لكي تزداد السرعة ، كما هو الحال في دولاب الدراجة حيث بعفسة واحدة تدور العجلة الاخرى باضعاف وبسرعة ... الإسم الذي اطلقه الناس على الثور او البقرة التي لم تبدأ انتاج الحليب بإسم "العجل" كون أن العجل لديه قوة تحمّل و جرّ أكثر من الحيوانات الأخرى فقد كان الناس قديما يستعملونه للحرث و الجر ، فلتسريع و تيرة العمل كان يستعمل هذا الحيوان لجر الجرار الذي لايقوى عليه غيره من الحيوانات كما ان نسبة تحمله تدوم لسرعة طويلة ، فالناس قديما كانت الزراعة و الفلاحة هي أكثر مهنة منتشرة فاصطلح على العجل هذه التسمية و هي تسمية وصفية يقصد بها أن خاصية هذا الحيوان هو "مسرّع" للعمل ..وكذلك بالنسبة للمحرك فقد اصطلح القرآن تسميته بهذا الإسم لأن دوره ليس "التحريك" بل دوره زيادة السرعة في وتيرة العمل .
عند الرجوع إلى تاريخ الآلة البخارية ، نجد أوّل اختراع لها يعتمد على ضواغط تنتج البخار بنفس شكل الأوزار (جمع زير) حيث يتم جعل الإحتراق غير تام لكي تنتج حرارة في الزير الضاغط وينتقل من خلالها الهواء المضغوط ، مشكلا حركة ميكانية تدور بها عجلة نهائية بسرعة..وكلما زاد الضغك والحرارة زاد الهواء المنتج وزادت حركة العجلة ..وكما هو الحال في السيارات ، فالضغط على البنزين يزيد احتراقه وينتج قوة هوائية للمحرك وبالتالي زيادة سرعة العجلات .
ويمكنك ان ترى في الصورة أدناه شكل الزير ومقارنته مع ماهو موجود في المحرك وستجدهمت بنفس الشكل .
دعونا نبحث أكثر لنتيقن ..
وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَىٰ مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلًا جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ ۚ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لَا يُكَلِّمُهُمْ وَلَا يَهْدِيهِمْ سَبِيلًا ۘ اتَّخَذُوهُ وَكَانُوا ظَالِمِينَ (148)
الملاحظ السطحي للآية يقول انها اعادت نفس ماورد في الآية محل المناقشة عن كونها تذكر الحلي بأنه زينة الاوزار ، لكن هذا ليس بالتمام ، القرآن لايعيد الكلام فهو كلام موزون ... الآية تتحدث عن شيى جديد أضيف للأوزار (الضواغط) ، هذا الشيئ ساهم في إعداد الإختراع النهائي للمحرك (العجل) ، شيى صنع من الحلي ويجب علينا معرفة مامعنى كلمة حلي من خلال القرآن .
"ومن ماتوقدون عليه في النار ابتغاء متاع او حلية زبد مثله " 17-الرعد- ..هنا نجد لفظ الحلية القريب من الحلي .
الآية تتحدث عن الخشب الذي يحمل مع زبد الاودية عند هطول المطر ويستعمل كوقود ، لأن الله جعل المادة الوحيدة الحلال للنار هي الخشب ...المعروف أن النار تستعمل للمتاع من ناحية نضج الأكل او للتدفأة ، لكن للحلية تستعمل لتذويب الذهب أو الفضة او المرجان او كل مايمكن اذابته لتشكيل اشكال مختلفة مصنوعة من المعدن المذاب ، والقرآن ذكر "الحلية" كوصف مضبوط يدل على التذويب ، لأنّ المعروف أنّ الحلية لاتنشئ إلا عن طريق تذويب المعدن المطلوب للحصول على شكل معين يلبس كخاتم او عقد ... وكلمة حلية تنتمي للحقل اللساني "التحليل" وكما يعرف ان الذهب و الفضة يحلل لكي يؤخذ منه الخالص ويشكل به شكل معين قبل برودته وتماسكه .
المهم أنّ قوم موسى هنا جعلو شكل المحرك (العجل) وجهزوه عن طريق مواد معدنية كانت تستعمل كحلي ،واكملوا بها صناعة المحرك بعد تركيب الأوزار (الضواغط) .
"فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم و إله موسى فنسي(78)"
العجل الجسد = هيكل المحرك.
له خوار = صوت المحرك يصدر خوار .
بالنسبة لقضية الخوار الله جعل الكلمة في القرآن لكي يدلك على صوت المحرك البخاري ، ويمكنك الذهاب إلى جهاز "الكاربيراتور" في السيارة وسماع صوته عند تشغيلها او سماع صوت عوادم السيارات عند تشغيلها .
"فأخرج لهم عجلا جسدا له خوار فقالوا هذا إلهكم وإله موسى فنَسِيَ"
قوم موسى بعد ان أخرج (اخترع) لهم السامري المحرك انبهرو بالإختراع لدرجة انهم اعتبروه الله ...نظرا لاندهاشهم بهذا الاختراع الذي لم يكن له مثيل ...ثم بعدها تأتي كلمة "فنسي" .
نضع ثلاثة أسطر تحت كلمة "فنَسِيَ" ، ونطرح سؤالين : من هو الذي نسي و ماذا نسي؟
1/ من هو الذي نسي :
لو تذهب إلى التفسيرات تجد قولين متضاربين ، قول يقول أنّ موسى هو الذي نسي بأساس أنّ كلمة موسى وردت قبل لفظة "فنسي".
وقول آخر يقول بأنّ السّامري هو المقصود بعدم تذكيرهم بالإسلام .
الحقيقة أنّ التفسيران المتضاربان يجعلنا نطرح أكثر من سؤال ، أوّل سؤال هو كيف للرّسول أن لا يُطلع النّاس على تفسير الآية ،السؤال الثاني كيف للمفسّرين و الرّواة الذين ادعوا معاصرتهم للصحابة و الخلفاء و التابعين بل وحتّى من عاصروا الرسول ، أن يغفلوا عن سؤال الرسول حول آيات الله ، أو كيف للتابعين ان لايتفقوا حول تفسير واحد للمقصود بالآية...فنلاحظ أنّ جل من كتب التراث يركز على أمور تافهة ويتناسى إطلاقا تفسير آيات الله من قبل الرسول ، وهذا مايجعلنا نتّهم المفسّرين بأن حالهم مثل حال الشهود الذين يستدعو لسماع شهادتهم في المحاكم ..فتختلف أقوالهم ..وتصنّف شهادتهم كشهادة زور .
من هو المقصود ؟ المقصود بالنسيان هو السّامري ، لماذا؟
أوّلا ، عندما نرجع للآيتين نجدهما تشرحان سرد وقائع ، وتستعمل حرف "الفاء للتعقيب" كالتالي:
...فقذفناها .... فكذلك....فأخرج....فقالوا....فنسي .
فحرف الفاء هنا يفيد التعقيب في سرد الواقعة، والمذكور أنّه في الآية 78 بدأت بفعلة السامري عند القول "فأخرج لهم عجلا جسدا" ثم عقبه رأي القوم والذي كان على النّحو التالي "فقالوا هذا إلهكم و إله موسى" ثمّ جاءت بعدها كلمة تحمل فاء التعقيب "فنَسِيَ" ...وبالتالي أنّ المقصود الاخير هو السامري .
ثانيا ، لو كان موسى هو المقصود بالنسيان ، فالمفروض ان العبارة لاتكون بفاء التعقيب بل تكون كالآتي "هذا إلهكم وإله موسى الذي نسى".
ثالثا ، نلاحظ أن كلمة " نَسِيَ" جاءت بفعل مبني للمجهول على وزن "فَعِلَ" ، أي المفروض أنه لايذكر إسم موسى قبل عبارة "نَسِي" لأنه فعل مبني للمجهول ، و المفروض تكون الكلمة على النّحو "فنسى" أو "فتناسى" ،وليس "نَسِيَ"بفتح النون و الياء وكسر السين لانها تصبح دالة على مجهول .
رابعا ، عبارة "فنسيَ" لا تقصد بالمطلق نسيان موسى تذكير قومه بالعجل على أنّه إلاههم ، فلو كانت كذلك لكانت كلمة نسِيَ مقرونة بضمير متصل هو الهاء ، ولكانت على النحو التالي "فقالوا هذا إلهكم و إلاه موسى فنسيـ(ه)" ..لكن الكلمة كانت "فنسي" مبنية لفعل وفاعل مجهول لم يذكر إسمه في الآية ، وهو السامري الذي لم يذكر في الآية 78 .
المقصود بالنسيان هو السّامري ، الذي اخترع لهم عجلا (محركا) فجعل القوم الإختراع إلـٰها ، ونسي السّامري إخبارهم بأنّه أخترعه عن طريق العلم بآيات الله .
...
نرجع لكلمة "فنسي" ، ونحاول البحث عن هذا الخبر الذي نسي السّامري إخبار قوم موسى به ...
اقوال السّامري عندما سأله موسى :
"قال فما خطبك ياسامريّ (95) قال بَصُرت بما لم يبصُروا به فقبضت قبضة من أثر الرّسول فنبذتها وكذلك سوّلت لي نفسي(96)" طـٰه .
السَّامري قال أنه بصر بما لم يبصرو به ، أي أنه أطلع على أشياء لم يطلع عليها قوم موسى .
ثم ذكر بعدها أنّه قبض قبضة من أثر الرّسول فنبذها بمعنى أنّه خبّأها ...لأن نبذ تعني خبّأ ، بدليل المثال الآتي :
"نبذ فريق من الذين اوتو الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لايعلمون " = (خبّأ فريق من الذين أوتو الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لايعلمون)
نبذ=خبّأ .
فهل الشيئ الذي خبأه له علاقة بما أخترعه واخرجه لهم ، ثم قام بعدها بإخفاء الدليل الذي يمكنهم من الوصول إلى ماأخترعه .
أصلا ، ماهي القبضة التي خبّأها وهل هي نفسها من بصر بها عن باقي القوم .... هو يقول أّنها من أثر الرّسول .. والآثر هو ماتركه الشخص كدليل ...وثانيا من هو الرّسول الذي ترك لهم الآثر .
[قال ماأعجلك عن قومك ياموسى (83) قال هم أولائي على أثري وعجلت إليك ربي لترضى(84)] طه.
هنا قال موسى لله أنّه قومه على اثره ، أي على ماتركه لهم ... وبالتالي فإنّ أثر الرسول هو ماتركه موسى لقومه.
هناك من سيعارض ويقول أنه لو كان الأثر أثر موسى ، لقال السامري في الجواب "قبضت قبضة من أثرك" ..وهو سؤال و نقد جيد ..لكن عليك ان لاتغفل أنّ موسى قال للسامري "ماخطبك ياسامري" والخطاب يكون أمام الجميع ،بمعنى أن السامري كان يتحدث أمام قوم موسى ويخاطب الجميع ، ولذلك هو استعمل لفظة الرسول بدل موسى لأن القوم يعلمون أن موسى رسول من الله وقد ارسل الى فرعون وقد شهدوا كل القصة التي وقعت لفرعون وهلاكه .
إذا ماتحصّل عليه السّامري هو جزء من الآثر الذي تركه موسى لقومه ..وهو عبارة عن قبضة تقبض باليدين ... وأقرب ما يمكن ان يتوقّع هي مخطوطة من المخطوطات القديمة ..لأن شكل لفّها و طيّها وشكلها العام يستدعي استعمال اليدين لفتحها ، فهي تقبض ياليد , وهي بنفس صورة البردي الذي يلف كما في الصورة اسفله .
فهل المحرك الذي اخترعه السامري بصر بحقيقة معلوماته وكيفية اختراعه من خلال مااطلع عليه في مخطوطات موسى التي تركها ؟ نعم .. هو نفسه قرأ المخطوطات التي تركها موسى وعلم معناها وحقيقته ، ثم بعدها قام بتخبأتها عن القوم لكي لايعرفو الإختراع وماهيته .
نتابع الآيات
﴿قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لَا مِسَاسَ ۖ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَّن تُخْلَفَهُ ۖ وَانظُرْ إِلَىٰ إِلَٰهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا ۖ لَّنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا (97)﴾طه
هنا اذهب كلمة فيها نوع من الشدة وتستعمل للطرد وهي نفس العبارة التي استعملها الله مع ابليس عندما طرده من الجنة "قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاءكم جزاءا موفورا"، بمعنى أن ذكر كلمة اذهب دون ذكر التوجيه للمكان الذي يذهب اليه الشخص ، تعني الطرد والنفي ، بمعنى أن السامري طرده موسى ونفاه من القوم.
ثم نلاحظ بعدها أنّ موسى قال للسامري "إن لك في الحياة أن تقول لامساس " قال في "الحياة" ولم يقل في "حياتك" ...فهل موسى كان يعلم بأنّ السامري يملك علم يمكنه من الخلود في الحياة .
و ذكر أيضا بعدها أنّ السامري سيقول "لا مساس" ، عند تتبع القرآن نجد اللفظ القريب من كلمة "مساس" في القرآن هو "المس" :
[لايقوم إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس]
نعود إلى ما ذكرنا في مقال سابق ، أن ابليس و ذريته هم نتاج أحادي اكسيد الكربون الناتج عن سموم النار ، وعند التعرض لهذا الجزيئ الصادر من النار فإنه يختلط بهيموجلوبين الدم ، ويمكن ان يؤدي إلى فقدان الوعي والتخبط (الخابط كلمة بالجزائر تعني فقدان الوعي) ..والجميع يرى كيف تصبح الذبيحة عندما يتوقف الاكسجين من الوصول لاعضاء الجسد عن طريق الدم ... كذلك وصول احادي الكربون للجسم في مكان مغلق فإنه يفقد وعي الإنسان ويمكن حتى ان يموت ... إذا المساس هو المس ، وهو ينتج من التعرض لأحادي أكسيد الكربون ، الذي هو غاز مضر بالطبيعة و الإنسان .
مساس = المس .
إذا المحرك (العجل) الذي اخترعه السامري، ينتج أحادي الكربون ..لأن المحرك يشتغل بالفحم او الوقود الذي يعتبر من اكثر الطاقات المنتجة لهذا الكربون ..كما ان المحركات بشكل عام من أكبر منتجي هذا الغاز الجزيئ ،و الذي يتشكل عن الاحتراق غير التام والضغط ، ويمكنك الاطلاع على مقال شرحنا فيه من هو ابليس .
السامري لم يقل لهم أنّ هذا العجل (المحرك) ، هو منتج لغاز أحادي الكربون الذي يسبب المس ، والذي بسببه سيفقد الناس وعيهم ..السامري لم يخبرهم بأنه اخرج لهم ابليس وذريته ...وسيبقى طول الحياة يقول بأن هذا الغاز الجزيئ لايسبب المساس .
لأن السامري كان يعبد ابليس ، وقد قالها له موسى بعدما طرده فقال :
[وانظر إلى إلاهك الذي ظلت عليه عاكفا لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفا]
الآن ، نرجع لشيئ ، وهو عن كون السامري سيبقى يقول أن احادي الكربون لا يسبب المساس ، وسيعيش الحياة ..فمن هو السامري حقيقة ؟ نعم مازال عايش ، وستعرفونه قريبا .
القرآن الكريم ليس ارشيف بل نبأ ، يتحدث عن نبؤات حصلت ويعطيك الحلول ..
"هو نبأ عظيم • أنتم عنه معرضون"
.
.
.
يتبع ..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق