الاثنين، 5 أكتوبر 2020

من هم الجن -الجزء الأوّل-


 من هم الجن -الجزء الأوّل-


سنعتمد في هذه الدراسة على عيّنات مختلفة ، سنبدأ بالجانب الموجود على مستوى الثقافة الشعبية ، ثم نتناول الجانب المعرفي المتوافق علميا ، ومن ثم سننتقل إلى تمهيد من القرآن حول هذه الكائنات...و سنفصل في الموضوع بناءا على معطيات القرآن ومايتلائم مع العلم و الميراث الشعبي إن وجد .

1/ الميراث الشعبي :

هناك الكثير يعترض عند الإعتماد على الجانب المتوارث شعبيا في دراسة المواضيع العلمية ، والسبب في ذلك أنّ النّاس اصبحت تتبع التراث المكتوب أكثر من الإعتماد على التراث الشعبي ، و المعروف أن هذا الكم من العلوم الذي يصاحب النظام المعيشي الحالي تجد أن جل اكتشافاته و اختراعاته مؤرخة على انها ظهرت في فترة القرن الثامن عشر ، و كمثال تجد أن القواعد و المواد الفيزيائية او الكيميائية المستعملة اليوم جلها تم تأريخه كتابيا على أنه ظهر مع بداية مايسمى عصر النهضة بأوروبا والذي اقترن مع مايسمى الثورة الصناعية ، فالإنسان السوي الذي يدرس أن العلم الحالي ظهر فجأة قبل 300 سنة و بشكل متسارع لايمكن ان يصدق ذلك ...كيف للناس التي عاشت عشرات ومئات القرون أنّ لا تكتشف كل هذه الإختراعات و العلوم إلا فجأة قبل ثلاث قرون ..كيف للناس طول عيشها لقرون من الزمن أن لايضبط معها إكتشاف هذه الإختراعات الصناعية والطبية إلا فجأة قبل ثلاث قرون عن طريق باحثين أوروبيين ؟؟!

هذه التساؤلات لايمكن ان نجيب عليها إلا بفرضيتين ، يا إما أنه صحيح تم اكتشاف تلك العلوم بشكل تلقائي و عفوي ، أو يا إما أنها كانت موجودة قبل القرن الثامن عشر لدى الشعوب وتم نسبها وتأطيرها على أنها اكتشفت من طرف باحثي مايسمى عصر النهضة الاوروبية ... الفرضية الثانية ونظرا لمنطقيتها أكثر من الفرضية الأولى سأعتمد عليها ، لأنه من غير المعقول أن يظهر ذلك الكم الهائل من العلوم فجأة وبشكل تلقائي دون وجود تحصيل علمي ومعرفي متراكم لدى الشعوب سبقها لمدة طويلة من الزمن ، لكن هناك مشكلة ستواجهنا عند الأخذ بكون الشعوب كان لديها تلك العلوم وهي غياب التأسيس و التأصيل الكتابي الذي يثبت لنا انها حقيقة كانت تملك تلك العلوم ... وأظن أنه في هذه الحالة لايبقى لنا إلا اللجوء إلى التراث اللامادي و الشفوي المتداول شعبيا ، لانه تراث يتم توارثه أبا عن جدومن ما لاشك فيه أننا سنجد داخله مجموعة المعطيات التي تكون لنا نظرة محصلة عن تاريخ شعب المنطقة في الأزمنة السابقة .

من المواضيع التي لاتجد لها أرضية مبرهنة واقعيا من ناحية العلوم هو موضوع الجن ، حيث أنك تلتمس هناك شرخ واضح بين ماتتحدث التراث الكتابي وبين التراث الشعبي المتداول ، فهل هناك أساس واضح وواقعي لإثبات من هم الجن من خلال التراث الشعبي المتوارث شفويا بعيدا عن الكتب .

دعونا بالأوّل نبحث و نفتش عن بعض المعطيات التي تقترب أو تلمح لهذا الموضوع من داخل بنية المجتمع ..

أوّل شيى متفق عليه أنّ كل وعي المنطقة يواجه نوع من الخوف نحو الجن ، حيث أنّ وعيهم متوارث على أنّه كائنات تملك شكل مخيف .

تجد في المنطقة عدة الفاظ شعبية عن الجان ايضا :
ساكنه جان - يتصصور كالجان (اي يبدل خلقه) - مجنون - الجن الأحمر - الجن الأزرق - عبارة "دستور" او "مسَلمين مكتفين" عند رؤية ظوهر أو أمور تتحرك لوحدها أو سماع شيئ مخيف يجهل مظهر صاحبه..

تجد ايضا عدة معاملات مادية تتحدث عن ثقافة ومحيط الجن مثلا متوارث أنه لايسكب الماء الساخن في الأماكن المتعفنة ، عدم المشي من امام المياه القذرة ، تجد ايضا ميراث مادي على أن شكل الجان مخيف .

نستنتج من الامثلة السابقة أن الثقافة شعبية لديها وعي قديم على أن الجان كائن مادي وله الوان ، شكله مخيف الملامح ، يمكن أن يتبدل في اشكال ، يتواجد كثيرا في الأماكن المتعفنة والمتسخة و المهجورة ، وكذلك يمكنه أن يتصل او ينسجم داخل جسم الإنسان .

الآن سننتقل للمعطيات من الجانب العلمي وفي النهاية سنقارن بين الخصائص للوصول الى نقاط التشابه واتفاق حول الهوية العامة لهذه الكائنات .
.......

2/من الجانب العلمي :

المشكل العام الذي توارث لدى شعوب المنطقة، هو إيمانها التام أنّ المادة ماهي إلاّ مارأوه بأعينهم المجردة ، أما غير ذلك فهم يعتبرونه علم روحي ولاعلاقة له بالمادة .

على الجميع أن يعي أن هناك عالم كبير محيط بنا، لكن المشكل فينا أنّ بصرنا لايتمكن من الرؤية نظرا لضعف البصر، تلك هي المواد التي يعتمد على المجهر لرؤيتها ... وهي عبارة عن جزيئات و ذرات و ذبذبات وموجات و كائنات تتحرك ولها غذاؤها ولها تواصلها ويمكن ان تتحد فيما بين بعضها ، وهناك من تتولد ، وهناك من لها وضائف انتاجية .

تتخذ تلك الكائنات اشكال متعددة ويمكن ان تغيّر شكلها بحسب تفاعلها مع كائنات اخرى ، ونجد منها ماهو ذكري الجنس بحيث لايتكاثر ونجد منها ماهو انثوي ويتكاثر ويتوالد ، نجد من تلك الكائنات من هو محمود كذرات الاكسيجين أو خلايا انتاج الهرمونات فتوجد العديد من الكائنات الدقيقة المحمودة الدور في الحياة ، وبمثل ذلك يوجد أيضا منها ما هو خبيث والذبذبات المخترقة للخلايا أو كالسرطانات و الميكروبات و الفيروسات(فيروس كورونا مثلا) .

بيئة نشوء هذه الكائنات المجهرية دائما ماتتخذ الأماكن ذات المحيط المناسب لتكاثرها ، وجزء كبير يتخذ الاماكن اللزجة و الأماكن المتعفنة للتكاثر و النشوء (جروح ، نتوءات ..الخ) ، يمكن ان تنشئ جزيئات عن طريق الغازات و يمكن ان تنشأ عن طريق إشعال النار الطبيعي ، وهنا من تنشأ عن طريق الإحتراق غير تام للنار ، هناك من تنشأ في خلايا الجسم ، هناك من تنشأ بالمغناطيس...الخ ، تتخذ جزء من الجينات الجانب البدائي لنشوء كائنات الحيّة جديدة ، وبعدها تكبر ويصبح بالإمكان رؤيتها بالعين المجردة كالحشرات واليرقات ...الخ، ولايحدث هذا إلا عند توفر الغذاء و المناخ المناسب لنجاح نموها .

الآن دعونا نقارن بين بعض امثلة معطيات الميراث الشعبي و الكائنات المجهرية بحسب العلم :
الجن الأحمر = الأشعة ماتحت الحمراء .
الجن الأزرق = الأشعة مافوق البنفسجية .
سكون الجن للإنس = الاورام السرطانية، الميكروبات ، الفيروسات ..الخ .
مجنون = يعاني خلل من جينات عقله .
له اشكال مخيفة = التصوير المجهري يوضح اشكال بعض الفيروسات و الميكروبات بشكل غريب ومخيف .
يعيش في الاماكن القذرة = الميكروبات و الفيروسات تنشأ في المياه والرواكد و الاماكن المتسخة ..

هذه عبارة عن معطيات اولية ، وجدت من خلالها بعض الشبه بين الميراث الشعبي وبين بعض انواع الكائنات المجهرية المثبتة علميا ..وهو ماسيفتح لنا باب البحث الاكثر و التدقيق في موافقة القرآن لكون الجن هم مجموعة الكائنات المجهرية ...وهو مايجب علينا اثباته من خلال القرآن .

3/القرآن الكريم :

يتوارث لدى الوعي العام بأن الجان مخلوق من نار ، وهذا اعتقاد خاطئ وناتج عن سوء فهم لآيات القرآن ... الجان المقصود في آيات القرآن بصفة الفرد هو إبليس ، وهو نوع خلق من الجن خلق من نار السموم ، ثم فسق فأصبح من الكافرين ، فالجن ليسو كلهم خلقو من نار ، ابليس هو من خلق من نار .

فالجان المذكور في جميع آيات القرآن على أنه خلق من نار ويأتي بعده إسم آدم ، هو في الحقيقة إبليس وحده وليس جميع الجن ، ففي كل الآيات التي تتحدث عن خلق الجان من نار ، تجد كلمة الجان بصيغة مفرد (الجان) وليس بصيغة جمع (الجن) ، فالمقصود بالجان المفرد المخلوق من نار السموم هو إبليس ، والذي يأتي دائما في وصفه مقترنا مع خلق آدم من صلصال ، وهذا للدلالة والتذكير ببداية خلق آدم وعدوه الأوّل .

[ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمإ مسنون (26) والجان خلقناه من قبل من نار السموم (27) وإذا قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمإ مسنون (28)]الحجر .
التفسيرات و النظرات السطحية للآية السابقة تظن بأن الجان المقصود هنا هو كل الجن ، لكن هذا غير سليم المقصود بالجان في الآية السابقة هو إبليس فقط ، فكما ذكر الله بداية خلق آدم ذكر عدوه الأوّل الذي رفض خدمته وهو إبليس ، وقد ورد بصيغة المفرد للدلالة عليه هو فقط .

[خلق الإنسان من صلصال كالفخّار 14 وخلق الجان من مارج من نار 15] الرحـمٰن .
كالعادة المسلم يعتقد أن المقصود بالجان هنا هو كل الجن ، لكن الصحيح أن المقصود هو "جان" بصيغة مفرد والذي هو إبليس ، كما هو الحال للمقصود بالإنسان وهو آدم ، فآدم خلق من صلصال كالفخار و إبليس خلق من مارج من نار ...هذه الآية تحاول أن تعطيك قصة الطبيعة و البشرية ، تحاول تذكيرك بعدو بني آدم الأول ، ودائما ماتجد الآيات التي تصف خلق هذا الجان (إبليس) مقترنة مباشرة بعدها بذكر آدم ، لكي تذكرك ببداية الخلق.

هناك وعي ثاني مترسّخ لدى العامة بأنّ إبليس هو أبو الجن ، وهذا اعتقاد خاطئ أيضا ، ولايوجد أي دليل في القرآن على أنّ إبليس هو أبو الجن ، إبليس هو نوع من الجن فقط .

- دعونا الآن نعرف معنى كلمة "جن" ثم ننتقل للدراسة الموضوعية في القرآن :

المصدر الأوّل لكلمة "جن" هو كلمة "الجَنْي" ونقصد به التحصيل ، فنقول "موسم جني الزيتون" اي موسم تحصيل الزيتون .

لدينا في الجزائر نطلق على البستان إسم "الجنان" وكل جنان له محصول معين خاص به ، فنقول "جنان الخوخ" او "جنان الرمان" ، والمقصود بكلمة "جنان" هو "محصول" ... والمقصود بكلمة محصول هو ماتُحُصِّل عليه جراء زراعة بذرة معينة لتصبح شجرة مثمرة في النهاية ،وذلك القيام بجميع الخطوات التي من شأنها الحصول على الثمار (أسمدة، ضوء ، حرارى ، مياه طبيعية..الخ) والتي تُحصّل في النهاية و تنتج محصول معيّن ، ونقول "طاب الجنان" أي أن "المحصول نضج" .

يمكننا أيضا معرفة المعنى من القرآن ، ونجد الكلمات التي تنتمي إلى نفس الكلمة و تدل على نفس معنى "التحصيل" في آيات عدة :

[متكئين على فرش بطائنها من استبرق وجنى الجنّتين دان] الآية 54 -الرحمان- ...هنا "جنى الجنتين دانٍ" معناها "محصول الجنتين دانٍ" .

[وإذ انتم أجِنّة في بطون أمهاتكم] -الآية 34 النجم-..ومعناها إذا أنتم محاصيل في بطون امهاتكم ، وكما علم الجميع أن الولد هو نتاج محصول تلاقح المني مع البويضة والمرور على عدة تطورات حتى يولد في النهاية ..والمرحلة التي يكون فيها داخل رحم امه يكون في حالة تركيب وتطور .

[فلما جنّ عليه الليل رأى كوكبا قال هذا ربّي فلما أفل قال لا أحب الآفلين ] -76 الأنعام-
عبارة "جنّ عليه الليل" تواتر في التفسير تفسيرها بأنها تعني "فلما ستر عليه الليل" ، لكن كلمة "جن" لا تعني "ستر" إنّما تعني "تحصّل" أو "تشكّل" ، بمعنى تشكّل و تحصّل عليه الليل ، لأن الليل لا يأتي فجأة بظلامه فهو يمر بمراحل إلى غاية حلول الظلام بشكل كامل وكلي ، فهو بالتدريج يبدأ بالتشكل بعد غروب الشمس إلى مرور حوالي ساعة او أكثر ثم يتحصّل و يتشكل بشكل كامل .

الجَنّة = مكان يحتوي على كل المحاصيل التي تتمنى.
أجنة = محاصيل .
جنى الجنتين = محصول الجنتين .
جنّ= تحصّل
جان = مُحصِّل .

فما علاقة الجان بالتحصيل و هل يمكن أن يكون له علاقة بالكائنات المجهرية التي توصلنا إليها في مقارنة الميراث الشعبي مع الجانب العلمي .. في المقالات القادمة سنغوص في تعريف القرآن للجن على حسب خصائصه وصفاته المذكورة في الآيات ، ونرى انواع الكائنات التي سنثبت وجودها واقعيا

.
.
.
يتبع

هناك تعليقان (2):

  1. جان غير انسان غير ءادم غير الشيطان وغير اللعين
    كلها اسماء مستقلة ولا ترادف او تكرار فى القرءان

    ردحذف