الاثنين، 5 أكتوبر 2020

- الدراسات التاريخية و منهج الببغاء -

- الدراسات التاريخية و منهج الببغاء -

أعتقد أن الجميع من ساكني المنطقة في مراحل تعليمهم كانوا يواجهون مشكل دراسة مادة التاريخ ، فلو تسأل التلاميذ او الطلاب من المرحلة الإبتدائية إلى الثانوية فإنك تجدهم يكرهون مادة التاريخ ، بل أنهم يواجهون المر عندما يتم حجزهم داخل مقاعد الدراسة لدراسة هذه المادة ، السبب في هذا الكره و الملل وعدم رغبة النشئ في تعلم التاريخ ليس التاريخ كظاهرة إنما المشكل في المعلومات التاريخية الوهمية التي تدرس ، فجميع التاريخ القديم خصوصا في المخيلة الزمنية التي تسبق القرن السادس تجده تاريخ بعيد عن واقعنا اليوم بشخصيات و أماكن وجغرافيا نواجه صعوبة حتى في نطقها  ، هذا يعتبر من أهم الأسباب التي تدفع المتعلمين لكره هذه المادة فالسبب هو أنه تاريخ وهمي مزور بعيد عن الواقع التاريخي الحقيقي الذي يتقبله العقل لترتاح له نفسية المتعلم  .

مناهج الدراسات التاريخية اليوم تعتمد على ثلاث مصادر ..المصدر الأوّل الذي يعتمدون عليه هو الكتب الأكاديمية التي هي عبارة عن مؤلفات ودراسات تسرد الوقائع التاريخية على طول الخط الزمني الذي عاشه الإنسان .
أما المصدر الثاني هو الجانب الأركيولوجي و هو عبارة عن الآثار المادية من كتابات قديمة و الشواهد المادية العريقة التي يتم دراستها ومعرفة الوسط الزمني الذي عاشت فيه تلك الآثار ، و بالمقابل فإن الباحثين يخضعون تلك الشواهد المادية إلى مقياس تحليلي يعتمد على كتب المؤرخين الأكاديمية وهو المصدر الأوّل حسبهم لإضافة أو تعديل أي حادثة أو حقيقة تاريخية ، بحيث أنّ معيار دراسة الآثار يجب أن يبقى خاضعا للكتب الأكاديمية و المؤرخين ، ويجب على الجميع أن يحتم على دراسة تلك الآثار وفق ماكتبته كتب المؤرخين و أي تجاوز لتلك الكتب يعتبر إنحرافا و كفرا بالمنطق حسبهم .
أما المصدر الثالث الذي يتم الإعتماد عليه هو جانب الكتب المقدسة وهو يعتبر مصدر ثانوي ، و المقصود بالكتب المقدسة هو الكتب التي يؤمن بها المجتمعات وتمثل لهم الجانب الروحي و العقائدي الذي يمثل بدايتهم كبشرية وصولا إلى مصيرهم في الزمن الذي عاشوه ، كما ان الكتب المقدسة تحوي جوانب مهمة لحياة المجتمعات و التي شكلت أحدث بارزة في تغيير الحياة على الأرض .

من خلال المصادر الثلاثة السابقة نجد أن هناك ترتيب غير عقلاني ، بحيث أن جميع الدراسات التاريخية تخضع لمنطق المؤلفات الأكاديمية للباحثين و بها تبنى جميع الدراسات التاريخية و هو مايعرض الحقيقة التاريخية لزيف يخضع لأهواء الكتاب الذين كتبوا التاريخ ، فمثلا لو تأتيني بالمؤرخ المدعوا هيرديت فنحن لا نعرف عنه شيئا سوى أنّ كتابه يتم تدريسه في جميع مراكز البحث التاريخية و الكليات الجامعية على أنه كتاب صدر في القرن الخامس قبل الميلاد و أنه هو القاعدة العامة لدراسة أي جانب تاريخي حتى أنهم يطلقون عليهم وصف "أبو التاريخ" ، بالإضافة إلى أن الكتب التاريخية حتى و إن وثقنا بها ككتب صدق مؤلفيها في سردياتهم فإن ذلك لا يمنع أن تخضع لتحريفات و إضافات و تعديلات تخدم جوانب المشاريع السياسية ، فعندما نرى المنطقة العربية هي منطقة صراع غربي يسعى للسيطرة عليها و عندما نرى دولة الكيان الصهيوني تحاول أن تجد أي شقفة أثر لإثبات اقدمية كتابها و شعبها على هذه الأرض فإن ذلك يحتم علينا التعامل مع المصادر التاريخية الأكاديمية بأقصى درجات الحذر ، كيف لا و كل المصادر التاريخية الاكاديمية التي يعتمد عليها مؤرخونا هي مصادر غربية يا إما لمستشرقين بريطانيين أو فرنسيين .

الآن عندما نؤخذ أكبر بؤرة تحوي الآثار الأركيولوجية داخل المنطقة العربية فإننا نجد الآثار المصرية تمثل زخما كبيرا وضخما وهي آثار لازالت تستكشف إلى اليوم عن طريق المنقبين  ، بحيث أنها تحوي كتابات و شواهد تاريخية تشكل أكثر من ثلثي آثار العالم ... لكن المشكلة أن تلك الآثار يتم دراستها مسقطة على الدراسات الأكاديمية التي بدأ بها الغرب قبل قرنين من الزمن ، فالحملة النابليونية عندما جاءت لمصر أول شيئ بدأت به حسب ماوصلنا من تاريخها هي دراسة تلك الآثار و استخراج منطوقها وفق التاريخ المكتوب الذي الفه هيروديت ومن بعده ، بل أن المعضلة التي تجدها هي محاولتهم لإسقاط  شخصيات وجغرافيا العهد القديم على تلك الآثار لإعطاء كتاب اليهود احقية الأقدمية التاريخية على تاريخ تلك الأرض ، فمثلا إسم "رمسيس" المكتوب في كتاب  العهد القديم لليهود تم إسقاطه على انه شخصية مصرية ملكية عاشت في قرون ساحقة ،وكل ذلك من أجل إثبات ان معلومات العهد القديم صحيحة و أن لديها  دليل أركيولوجي يثبتها من خلال النقوش المصرية  .

صراحة و حقيقة أن كل مؤرخي الوطن العربي ماهم إلا مترجمين يترجمون كتب الأنجليز و الفرنسيين من الفرنسية و الإنجليزية للعربية ، حتى أن اجتهاداتهم تخضع لنفس المخيلة التاريخية التي سطّرهتها تلك الكتب ، واضعين عقولهم مجرد آلات تترجم المعلومات التي درستها مراكز البحث التاريخية للغرب ، و متناسين أن تلك المراكز و باحثيهم تنتمي إلى دول احتلت هذه الأرض بالقوة و كادت تبيد شعبها عن بكرة أبيها .. فهل تلك الدول ستروي لنا التاريخ الحقيقي ؟ اكيد انها ستروي التاريخ وفق مشاريعها السياسية الإستيطانية التي لا زالت تتربص بنا إلى اليوم .

• الدراسة العقلانية التي من المفروض أن ننتهجها في قراءة التاريخ :

المفروض أنه لدراسة التاريخ يجب الإعتماد أوّل شيئ على الآثار المادية الموجودة ، ثم بعدها نعتمد على الواقع الشعبي الذي يسكن داخل تلك الأرض التي يتواجد فيها الأثار و بعدها يمكننا استخلاص مدلول تلك الآثار من خلال الواقع الشعبي ، لأن تلك الآثار خرجت من عند المجتمع في أرضه وأكيد أنّ ثقافة ذلك المجتمع تحوي كل المعلومات التي تبين مدلول تلك الآثار .

عندما نذهب لمصر نجد 90 مليون مصري مسلم يتحدثون بلسان عربي ويؤمنون بالقرآن و نجد حولهم 350 مليون مسلم يتحدثون بلسان عربي و يؤمنون بالقرآن ... لكن عندما تدرس تلك الآثار و آلاف الكتابات التي تحويها فإنك تجد عالم آخر مغاير للواقع ، تجد أنهم جعلوها كتابات تتحدث عن أناس يتكلمون بلغات منقرضة و ملتوية لايستطيع أي إنسان عاقل تحدثها ، تجد أنهم جعلوها كتابات تتحدث عن أناس كانت تؤمن بآلهات متعددة و لاوجود لأي شخصية ذكرها القرآن داخلها ، لا تجد إسم "يوسف" مكتوب و لا إسم "إبراهيم" مكتوب لاتجد إسم "موسى" مكتوب و لا أي شخصية من شخصيات القرآن كإسم نبي أو رسول .
السبب في هذا الوعي هو أننا لا نعرف اي شيئ عن تلك الكتابات سوى ما فسره الغرب عندما جاء بباحثيه مع بداية الحملة النابليونية ، تلك الحملة التي احتل فيها مصر و تبعها احتلال كل الدول العربية من الاحتلال البريطاني و الفرنسي الذي طمس هوية الشعوب و أعاد رسكلتها وفق الزمن و المناهج التاريخية التي أراد .

الآن عندما نريد دراسة تلك الآثار ونجد أن هناك تقريبا 100 مليون مصري مسلم يتحدث بالعربية و يؤمن بالقرآن و ممن حولهم 350 مليون مسلم آخر يؤمن بالقرآن و يتحدث بالعربية ، عندما تبحث لدى هذا المجتمع كاملا تجد لهم كلام يؤمنون به و يحافضون عليه لدرجة أنّ أي حرف يتغير نطقه يسمونه تحريفا ،تجد لديهم كلام يحفظونه حفظا غيبيا و يقدسونه أبا عن جدا و بشكل متوارث عكس أي معتقد آخر ، ذلك الحفظ الشفوي هو خاصية متجذرة لدى هذا المجتمع لمنع أي تحريف لذلك الكلام فهو خاصية تحصّن الكلام وتجعله كلام مقدس و نقي عن أي تحريف ، بعكس باقي الكتب الورقية التي هي مجرد كتابات يمكن أن تعدل وتضيف و تلغي فيها بما تشاء , وبالتالي فإن القرآن ارضية ثابتة مجهزة لدراسة و بحث مكنونات تلك الآثار.

الآن وعي شعوب المنطقة منصب على أنهم كانوا شعوب أخرى قبل القرن السادس ، و أنهم كانوا يتحدثون لغات منقرضة و أنهم لم يكونوا يعرفوا القرآن و أن لسانهم الحالي لم ينشأ إلا بعد فتوحات بدأ بها رسول ظهر في ارض السعودية و انتشرت بعده بالسيف ، و يحصنون كلامهم هذا بكلام كتب التراث التي تنتشر في المعمورة الإسلامية و كأنها هي من تمثل الإسلام مع أنها متناقضة مع القرآن تناقض كب الماء على الزيت في النار ... هذا الوعي جعل المصريين و كل شعوب المنطقة تسلم أمخاخها لباقي الكتب التاريخية و تجعل نفسها مجرد شعب ظهر في القرن السادس فيما أن الآثار و تاريخها تركت لكل مؤلفات كتب الغرب التي جعلت من إسم مصر إسم آخر في القديم بلسان يوناني يسمى "كميت" و اطعمته بتاريخ لأسماء و شخصيات يعجز اللسان عن نطقها "حتشبشوت...راعمسيس...توتعنخ امون...سنوسرت" و تسميات لا وجود لها في الواقع سوى أن الغرب أدخلها للمخيلة التاريخية للشعوب لإبعادها عن واقعها و لسانها الفطري ، فعندما ترى الغرب يفسر إسم شخصية ملكية اسماها رامسيس لأن العهد القديم اليهودي ذكر رامسيس فما هي إلا لعبة لجعل كتاب اليهود كتاب حقيقي يملك دليل اركيولوجي على حساب دينك و كتابك الذي يذكر عدة انبياء عاشوا في مصر و على رأسهم النبي موسى الذي جل آيات القرآن تدور حول قصته في مصر .

المشكلة لم تتوقف هنا ، بل تحولت إلى إشكالية يتم البرمجة فيها إلى أن مصر الحالية ليست مصر القرآن وذلك لجعل الناس تبتعد عن دراسة آثارها التي تعد بالآلاف وجعلها رهينة الباحثين الغربيين الذين يحورونها خدمة لمصالحهم ، في حين تم احتجاز المسلمين ووعيهم داخل موجة شعوبية تاريخية تسير بحسب حدود سايكس بيكو المرسومة .

القرآن عندما يتحدث عن موسى و يتحدث عن كونه اوتي الكتاب وتجد في جل الآيات القرآن إشارة لذلك الكتاب ... فأكيد ان تلك الكتابة هي الكتابة المقدسة التي سماها الغرب "هيروغليفية" و جعل منطوقها بلسان أعجمي غير عربي لكي يتم جعل سكان المنطقة غرباء عن أرضهم ويسقطوا عليها التاريخ الذي يشاؤون .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق