#النَفس_و_التنفّس_والكرب_وعلاقتهم_بالكربون
كنت قد أشرت في مقالات سابقة أن دراسة علم اللسانيات له علاقة مباشرة بعلم الأسماء خصوصا التسميات المرتبطة باللسان العربي ، فاللسان العربي ميزته أنه يحوي الكلمات ذات الصيغة الصوتية المترابطة التي تربط بين الإسم وسبب التسمية ، هذه الرابطة لو تمكنت من التعمق فيها ستصل إلى نتيجة تعطيك خاصية الشيئ المسمى وتتمكن من الإبحار في علومه .
عند البحث في معنى كلمة "نفس" نجدها ذات إرتباط وثيق مع ذات الإنسان ، فمعظمنا في كلامنا نستطيع أن نطلق على أي إنسان إسم "نفس" لكننا لم نتساءل بالمطلق مامعنى هذا الإسم الذي هو صفة إسم نطلقها على أي شخص يدب في الحياة ، وعندما يموت نطلق على الميت إسم "جثة" .
الحقيقة أن إسم النفس هو إسم مشتق من التنفس ، لأنه بطبيعة الحال أي شخص إذا فقد خاصية التنفس وتوقف عن التنفس فإنّه يموت و تموت جميع اعضاء جسمه بالتدريج ، وبعد توقفه عن الحركة و استنشاق الهواء يصبح جثّة هامدة لاتستطيع أن تمارس عملية التنفس المعروفة وهي استنشاق الأكسيجين وطرح ثنائي الكربون . .. والحقيقة لو نتعمق أكثر و نبحث في سلوكيات التعامل الإشاري الفطري الذي يتعاطى معه الإنسان حين تخبره أين "نفسك" ، يشير لك مباشرة إلى منطقة الصدر كون الصدر الجهة و المنطقة التي تقع فيها رئة الإنسان والتي تمارس بدورها عملية التنفس .
النقطة الهامة التي أريد الإشارة لها في الموضوع ، هي أن العملية التنفسية ليس لها علاقة بموت نفس الإنسان فقط ، بل إن العملية التنفسية لها علاقة مباشرة وكبيرة مع الأمراض النفسية التي يعاني منها الناس و أبرزها الإكتئاب ، فلو نأخذ الإكتئاب كمثال من أبرز اعراضه أنه يحس الإنسان ويشعر بأنه مخنوق في صدره ، و عندما تسأله عن سبب مزاج نفسيته السلبية يخبرك بأنه يحس بإختناق ، حتى أننا في لساننا الدارج المتدرج عن العربية عندما يتشاجر شخصان نقول عنهما أنهما "تخانقا" وذلك طبعا يرجع إلى نفسية الشخصان المتشاجران المختنقة ، والسبب في الإكتئاب كما ذكرنا هو إختناق رئة الإنسان وعدم استنشاقها لهواء نقي .
إن رئة الإنسان هي العضو المكلف بإستنشاق الهواء النقي الذي يحمل الأكسيجين ، فتقوم الرئة بسقي دم الإنسان بالأكسيجين الذي يحتاجه جميع خلايا جسمه ، وأبرز عضوان يحتاجان الأكسيجين هما القلب و العقل ، فماذا لو لم تستنشق نفس الإنسان هواءا نقيا و استنشقت هواءا ملوثا منقوص الأكسيجين ؟
عدم استنشاق نفس الإنسان في نفسها للهواء نقيا من شأنه ان يؤدي إلى تعطل جسم الإنسان عن ممارسة وضائفه بشكل جيد ، فمثلا لو نأخذ مثالا عن عن أحادي اكسيد الكربون الذي تتكتم عنه المنظمات الحقوفية للمناخ و التلوث البيئي وتستبدله بثنائي اكسيد الكربون ، نجد أن co1 عندما يستنشقه الإنسان يقوم بالإتحاد مع دم الإنسان (الهيموغلوبين) فيؤدي به إلى تكسير ذرات الأكسيجين داخل الدم ويتسبب ذلك إلى وجود مضاعفات لدى الإنسان من ابرزها فقدان نشاطه العقلي بالشكل المقبول وضعف قلبه وبالتالي يؤدي به إلى الوهن وإحساسه بالإختناق ،ومما يجعل عدة امراض تصيبه أهمها الإكتئاب و الوهن ، بل وحتى هناك دراسات تشير إلى نسبة ذكاء الإنسان تنخفض كلما كانت معيشته في البيئات الملوثة في العالم ... فتأثير أحادي الكربون على البشر "كربوكسي الهيموغلوبين" له بالغ الضرر على البشرية سواءا بالموت المباشر عن طريق استنشاقه بكمية كبيرة في مكان مغلق ، أو عن طريق الموت البطيئ بالإختلالات الصحية التي شببها للجسم جراء منعه من خاصية استنشاق الأكسيجين بالكمية المطلوبة .
أما عند الحديث عن أصل تسمية أكسيد الكربون فلا تجد معنى واضح سوى التعاريف الإصطلاحية الخاصة بخصائصه ، وكما أقول دائما فإن البحث في أصل التسمية لسانيا هو الذي يمكنك من معرفة خصائص الشئ المسمى ، بل أنه كان هناك علم قائم بذاته يسمى علم الأسماء تم تحريفه بعلم الحروف ...فعند البحث عم الأصل التمسة لأكسيد الكربون نجد الآتي ...
أصل كلمة أكسيد أو التأكسد عند البحث عن اشتقافها نجد أن مصدر نطقها لسانيا هو الكساد (أكسيد = تأكسد كساد) ، و كلمة الكساد معروف في اللسان العربي و القرآن أنها تعني فساد وخسران الشيئ او عدم صلاحية الشيئ، مصداقا لقوله تعالى : [قُلۡ إِن كَانَ ءَابَاؤُكُمۡ وَأَبۡنَاۤؤُكُمۡ وَإِخۡوَانُكُمۡ وَأَزۡوَ ٰجُكُمۡ وَعَشِیرَتُكُمۡ وَأَمۡوَ ال ٱقۡتَرَفۡتُمُوهَا وَتِجَـٰرَةࣱ تَخۡشَوۡنَ كَسَادَهَا وَمَسَـٰكِنُ تَرۡضَوۡنَهَاۤ أَحَبَّ إِلَیۡكُم مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادࣲ فِی سَبِیلِهِ فَتَرَبَّصُوا۟ حَتَّىٰ یَأۡتِیَ ٱللَّهُ بِأَمۡرِهِۦۗ وَٱللَّهُ لَا یَهۡدِی ٱلۡقَوۡمَ ٱلۡفَـٰسِقِینَ](سورة التوبة 24 ..فمثلا أكسيد الكبريت هو هو ماينتج عن تفاعل الكبريت في النهاية بحيث يصبح ذرات وجزيئات غير صالحة للإستعمال . وهو نفس الشيئ لأكسيد احادي الكربون فبعد حرق البنزين او احد انواع الوقود الاحفوري في محرك الإحتراق الداخلي للسيارة ينتج أحادي أكسيد الكربون الذي هو جزيئ سام وفاسد لا فائدة ترجى سوى أنه يسبب مشاكل لمستنشقه ويسبب فسادا في البيئة جراء انخفاض الأكسيجين أثناء إنبعاثه .
أما كلمة كربون فمصدرها اللساني هو "الكُربة" ، فكلمة "كربون" تأتي على وزن "فعلون" ، ومثل ماهو متداول فإن التسمية للأسماء التي تأتي على وزن "فعلون" تكون بالعادة كإسم وصفي مثلا إسم "مجنون" يأتي كمصدر وصفي لمن يملك خلل جيني في عقله وهكذا ..
كربون = فعلون ...كُربة = فُعلة .
وعند البحث عن معنى إسم "الكربة" ، فمعناها سلبي يقصد به الهم و الغم و المعاناة و العذاب و كثرة المشاكل ...ونجد ذكر الكرب في آيات عديدة من القرآن وخصوصا ماتعلق بالانبياء و الرسل الذي ينجون من أعمال قومهم : [وَنَجَّیۡنَـٰهُمَا وَقَوۡمَهُمَا مِنَ ٱلۡكَرۡبِ ٱلۡعَظِیمِ](سورة الصافات 115) فالكرب معناه داخل في الهم و الغم والأمراض وكل ماهو سلبي .
النظام الصناعي اليوم الذي يعتمد على دورة الكربون بشكل اساسي ، حيث نجده أهم عنصر يستعمل لتشغيل كل هذه الصناعة الحالية بطريقة مباشرة او غير مباشرة سواءا بالإعتماد على النفط و الغاز أو في المنتجات الصناعية التي تعتمد على باقي مشتقات البترول التي تدخل في محال البيتروكيمياء ... حيث يعتمد النظام الصناعي الحالي على فكرة أن الكربون الذي تمتصه النباتات و الكائنات الحية هو نفسه من يرجع للأرض كي يتحول إلى بقايا جافة تتحول إلى وقود أحفوري ، ومن ثمة إن إعادة استعمال الوقود الأحفوري يؤدي بالنهاية إلى أنتاج الكربون ويعاد إستنشاقه مرة اخرى من طرف الكائنات الحية لتعود مرة ثانية بنفس الدورة الأولى .
النظام الصناعي اليوم الذي من أكبر معضلاته هو حجم تلوث الأرض وزيادة استهداف حياة الإنسان الطبيعية لم يجلب إلا الكرب .. فلم يربح الإنسان صحته كما ذكرنا كمثال في بدلية المقال ، بل و العالم منذ بداية اكتشاف مصادر الوقود الاحفوري وهو في صراع دول غربية تحتكر تكنولوجيا استخراجه بجميع انواعه وتتصارع فيما بينها على من يقود قاطرة الهيمنة و السيطرة العالمية مما أدى إلى إزهاق أرواح وصلت إلى مئات الملايين ...كل ذلك يتصارع من أجله حزب الكربون عن طريق جنوده من أجل بئر أو حقل نفط يستخرج منه ذلك السم الذي يحترق لينتج هذا الكربون وباقي قبيله .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق