ذكرنا في منشور سابق ارتباط إسم التابوت في القرآن بالطفو في الماء (أقذفيه في التابوت فاقذفيه في اليم) ، و كذلك ارتباطه بالحمل على الأكتاف كما يحمل النعش (أن يأتيكم التابوت...تحمله الملائكة ) ---- و استخلصنا إلى أن التابوت هو قارب يملك صندوق بمثل ما هو منقوش و مكتوب على الأثار المصرية ، و المنشور على الرابط التالي في المدونة :
https://bahithalhikma.blogspot.com/2021/11/blog-post_24.html?m=1
الآن سنحلل الإسم لسانيا ، كي نتأكد من معناه بيقين تام .
واضح أن إسم التابوت يحوي إسم مركب من شقّين و تلهّج في كلمة واحدة ... فالإسم في أصله يحوي مقطعين ( تاء + بوت ) .
- معنى "تاء" ؟
دائما ما نسمع في إعراب التاء على أنه حرف لا محل له من
الإعراب و هذا خطأ كبير ... بل إن التاء هو آية من آيات الكتاب لمن ألقى السمع و هو متدبر .
نستعمل التاء في كلامنا :
أكلت - شربت - تأكل - تلعب - تسبح - تعمل ..الخ .
نلاحظ أن التاء يكون إما للدلالة على الفاعل أو صاحب العمل المشار إليه .
فإذا كانت التاء تعود على صاحب الفعل أو الفاعل المشار إليه ، فلماذا استعمل هذا المنطوق و ماذا يعني ؟
منطقيا فإن أي عمل يبدر من الإنسان فإن جسده و جسمه هو المسؤول عليه ... نحن نطلق تسمية الجسد و الجسم على الأعضاء الكاملة للإنسان ، لكن هل هي تسمية مضبوطة تماما ؟
إسم "الجسد" مصدره "التجسّد" و أي هيكل مهما كان نوعه يمكننا ان نطلق عليه جسدا (فأخرج لهم عجلا جسدا) هنا هيكل العجل المذكور في القرآن وُصف بالجسد أي هيكل ، و بالتالي فإن الجسد ليس التسمية المضبوطة مئة بالمئة التي يمكن أن تكون معبرة عن الاعضاء الكاملة للإنسان .
إسم "الجسم" مصدره "المجسّم" و المجسم هو إسم يطلق على الأشكال و يمكن أن يوصف به أس كائن حي أو غير حي ... و بالتالي فإن الجسم ليس الإسم الأصل لأعضاء الإنسان .
إسم "الجثة" هو إسم أقرب لوصف أعضاء الإنسان دون روح ، لكن مع ذلك هو ليس الإسم الأصل فهو مأخوذ من صفة "الإجتثاث" أي الإقتطاع ، فجسم الإنسان عندما يموت تقع روحه منها و لا يبقى إلا أعضاءه ميتة ... و بالتالي فإن الجثة هو كذلك إسم وصفي .
ما هو الإسم الذي يسمي أعضاء الإنسان إذا ؟
هذا سيقودنا إلى التحليل الأول للتاء التي نستعملها في الإشارة إلى الفاعل ....
تأكل (اكل) ..التاء تعود على الفم الذي أكل .
شربت (شرب) .. التاء تعود كذلك على الفم الذي شرب .
تمشي (مشي) .. التاء تعود على الرجلين الذان مشيا .
يجري (جري) ..التاء تعود كذلك على الساقان الذان جريا .
حسبت (حسب) .. التاء تعود على عقلك الذي فكر و حسب .
تمسك (مسك) .. التاء تعود على يدك التي مسكت .
إذا فإعراب التاء هو أنها في أصلها إسم استعمل ليعود على الفاعل أو بالضبط هو إسم يعود على أعضاء الإنسان كاملة كل حسب و ظيفته .
ماذا نسمي جسم الإنسان بكل أعضاءه ؟ نسميه "تاء" .
حتى لو نلاحظ في رمز الإشارة بإصبع السبابة للفاعل ، فإننا نوجهه إلى جسده و نقول "أنت" ..
أنت = أن (أداة تأكيد) + ت(كامل جسمه) .
الآن لو تكون أمامك جثة ميتة ماذا نسميها ؟ نسميها تاء ...طبعا لأنها تصبح مجرد أعضاء لا تملك روح .
ربما سيكون ما سنتطرق له الآن معقد قليلا ، لكننا سنحاول فكه بالتدريج ...
الإنسان لما يموت يصبح صلب جدا و تحدث معه عملية تسمى "التخشب الجسدي" ، بمعنى أن جسمه يصبح كالخشبة تماما صلب و ممدد بإستناده على الوضعية الراقد عليها .
في القرآن نجد هناك ربط بين جسم الإنسان و الخشب المسندة :
[و إذا رأيتهم تعجبك أجسامهم و إن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون ] المنافقون .
لماذا تم تشبيه أجسام المنافقين و قولهم بالخشب المسندة هنا ؟ تم تشبيههم بالخشب المسندة لأنهم يصبحون كالخشب المسندة التي تطفوا على الماء ( الخشب التي يستعملونها لصناعة القوارب ) ، قولهم يكون متوازي مع كل رأي تقوله كأنهم طافيين على الماء و يتبعون التيار بأمان لكنهم في أي لحظة يغرقونك إذا ركبت خشبهم و آمنت لهم .
الفائدة الثانية من الآية هي أن جسم الإنسان عندما يموت و يتمدد لا يغرق في الماء ، بحيث يصبح كالخشب المسندة التي تصنع بها القوارب ..و في ذكر آية فرعون إشارة لهذا :
[ فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية و إن كثيرا من الناس عن آياتنا لغافلون ] يونس .
الحقيقة أن هذه الآية استنتجت منها عدة دلائل أهمها أن القرآن يريد إيصال فكرة أن الشخص عندما يغرق و يموت فإن سيطفوا على الماء إلى غاية أن تلفظه الأمواج للبر ، ففرعون نجى ببدنه لأن البدن بعد الموت يطفوا و لايغرق .
الآن سنطرح سؤال ... كيف تم اختراع القارب أول مرة ، فأكيد أن الإنسان عندما يصنع أيّ اختراع فإنه يكون له تدبر في ما يحدث حوله .. و أكيد أن الفكرة الأولى التي بادرت لذهن الناس هو أن الجسم عندما يصبح صلب و ممدد كالخشبة يبقى طافيا على الماء و أكيد أنهم لاحظوا هذا من خلال رؤية جثة الميت طافية على الماء ، و منه تم اختراع الخشب الذي يطفو ... و لو تلاحظ معي أنه حتى مجادف القوارب تشبه يدي الإنسان تجدف .
إذا كاستنتاج فإن الخشب المسند الذي يستعمل للقوارب و السفن قد أخذ صناعته الأولى من فكرة الجثة (تاء) الطافية على الماء .
إسم ميت هو إسم وصفي يطلق على أي شيئ مشلول لا يملك حركة ، أما جثة الإنسان الميت فإنها تسمى تاء و كذلك هيكل الزورق أو القارب الذي يكون شكله كشكل ميت مستند على ظهره فإنه يسمى تاء لأنه اختراع صنعت فكرته من فكرة الجسد الميت .
- بوت :
عندما ننطق إسم "بوت" فهو واضح أنه من نفس حقل كلمة "بيت" ، بمثل ما كلمة "موت" من نفس حقل كلمة "ميت" .
واعتقد أن حكمة تسمية البيت بالبوت هنا لها حكمة في انها أخذت نفس وزن صيغة كلمتي الموت و الميت ، و هذا للدلالة طبعا على أن القارب في صنعه له علاقة بجثة الميت كما ذكرنا في تحليلنا لكلمة "تا" .
لو نبحث في علوم الألسنة سنجد أن الفرنسية تسمي :
الصندوق = boiat (بوات) ، بنفس نطق كلمة بوت بالإضافة إلى أن الصندوق يشبه البيت الصغير الذي يمكن نقله .
السفينة = bateau (باتو) ، و هذا للتدليل على أن كلمة تابوت له علاقة بالمركبة المائية .
من خلال إشارتي الكلمتين الفرنسية ، و اللتان لم تأتيا من فراغ بطبيعة الحال لأن كل العالم و البشرية خرجت من بقعة واحدة و انتشرت السنتها من مصدر واحد .. فهذا يرشدنا للبحث عن خصائص الصندوق (بوات) فالصندوق أشبه بالبيت الصغير المتنقل .. فبماذا يمكننا تسمية البيت الصغير المتنقل ؟
المعروف أن البيت هو شيئ ثابت في الأرض و لايتنقل ، فبماذا يمكن تسمية البيت المتنقل كماهو الحال في اليخت الذي يملك بيت و يسير في الماء ؟ .. واضح إسمه بوت .
بالإضافة لهذا فإن الصندوق الذي يوضع فيه الميت (النعش) هو أشبه بالبيت المتنقل بالنسبة لجثته ، و هذا مايفسر أيضا سبب وصف صناديق المومياوات المصرية بالتابوت .
و من خلال ما سبق يمكننا التيقن بشكل تام ، بأن تسمية التابوت هي إسم مركب من شقين :
تاء : و هو خشب هيكل الزورق الذي يطفوا على الماء ، و الذي ذكرنا أنه أخذ شكله و خاصيته من فكرة جثة الإنسان الميت .
بوت : و هو البيت المتنقل الذي يوجد على ظهر التاء .
.
.
.
.
يتبع