كلمة الرّزق هي في أصلها كلمة مركّبة من آيتين ، كل آية تحمل إسم له علاقة بخصائص هذا المصطلح ماديا و معنويا .
رزق = ري + زق .
* الرّي :
الري هو إسم يخص عملية إرواء مختلف ما ينبت من الأرض .. و الإسم له علاقة لسانية مع إسم "الروي" الذي يقصد به شرب الماء إلى غاية انتهاء شعور العطش .
و الحقيقة عند الرجوع لإسم "الري" ، فإن الجميع يعرف أن الرّزق مرتبط بما تنبته الأرض ليأكله الناس من ثمرات ، و تأكله الأنعام من حشيش و غثاء أحوى و ما يتمتع به باقي الخلق بصفة عامة ... فلو انقطع الماء عن ما ينبت من الأرض لتضوّر الناس جوعا و فقرا ... لأن غذاء النبات الرئيس هو الماء و بدون نمو النبات لن تأكل الأنعام لنستفيد من لحمها و لن تنبت الثّمار لنأكل منها و حتى بالنسبة للاشجار العادية التي تنتج الأكسيجين .
[ هُوَ ٱلَّذِی أَنزَلَ مِنَ ٱلسَّمَاۤءِ مَاءا لَّكُم مِّنۡهُ شَرَابࣱ وَمِنۡهُ شَجَرࣱ فِیهِ تُسِیمُونَ ▪︎ یُنۢبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرۡعَ وَالزَّیۡتُونَ وَالنَّخِیلَ وَالأَعۡنابَ وَمِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ إِنَّ فِی ذَ ٰلِكَ لَآية لِّقَوۡمࣲ یَتَفَكَّرُونَ] النحل .
لو تلاحظ معي فإن عملية نزول الأمطار من السحب تشبه في شكلها شكل إبريق الري الذي يستعمل لسقاية النباتات عن طريق الرش .. و هي تشبه عملية الري المعروفة للنبات .. بحيث أن عملية الري تعتبر أجود أنواع السقاية التي لها مردود على النبات .
في الصورة تحت شكل لقُلّة مياه تملك فم طويل ، و هي أشبه بأباريق الري التي تستعمل لسقاية النبات اليوم .. ذلك الرمز مكتوب في الكتابات المصرية في أصله يقرأ "ري" ... لأن هذه الآنية في أصلها استعملت في لري النبات .
* الزّق :
إسم الزّق هو إسم يطلق على فضلات الطيور فما علاقة الطيور و فضلاتها بالرزق ؟
كلنا نعرف أن الطيور مرتبطة بالإسترزاق فهي أوّل من يستيقظ صباحا بأصواتها كأنها توقض الناس للعمل وطلب الرزق ...بالإضافة إلى هذا فإنّ هذه الكائنات الملائكية في حقيقتها كائنات لطيفة تستعمل صوتها كغناء لبهجة الناس و سرورهم و تسمى أصواتها ب"الزقزقة" (زق+زق) ..فهل إسم الزقزقة هو مرتبط بإسم "زق" المتكون منه كلمة "رزق" ؟
زقزق العصفور + زق زق العصفور = طلب رزقه .
هناك منطقة لدينا في الجزائر يطلقون كلمة "يزقي" بمعنى يطلب الشخص ، فنقول "ازقيلو"(ازقي له) بمعنى "أطلبه" .
كلمة "زق" كذلك تطلق على الغذاء أو الأكل الذي يأكل دون مضغ ، و الطيور هي الكائنات التي لا تملك أسنان .. فهي تأكل الأكل الذي يهضم و لا يمضغ .
هناك من يطلق على اماكن تجمع الفضلات إسم "zigou" و هي بالفرنسية جمعا "les egou" ، و كلمة "زيقو" لها علاقة ب "زق" .. و هنا نطرح سؤال آخر أيضا حول علاقة إسم "الفضلات" بالفضل ..و القرآن في مواضع يصف الرزق بالفضل :
[وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربّكم] الإسراء .
الفضلات التي تطرح معروف علميا كذلك خصوصا ما يتعلق بفضلات المواشي أن لها علاقة بزيادة خصوبة الأراضي الفلاحية ، و هي تستعمل لليوم كسماد طبيعي للأراضي .
هناك زميل كنت أطرح له موضوع علاقة و الفضل و الفضلات بالأوساخ ، فأشار لي إلى عادة وضع حصّالات النقود بشكل هيئة خنزير لدى بعض الشعوب.. وهو طرح أكثر من رائع و لم يأتي من فراغ .. فالخنازير معروف أنها كائنات تأكل الوسخ وتحوله فضلات ، و كذلك لو تلاحظ فإن أنف الخنزير يشبه شكل صكة العملة النقدية المعدنية ... و هناك عبارة شعبية معروفة يقال فيها "المال وسخ الدنيا" و نحن نفهمها غلط فالمال هو نعمة الدنيا لكن العبارة تقصد أن تنظيف الأوساخ له علاقة بجلب المال لحكمة لايعلمها الله .. فلربما أن نية تنظيف المحيط و أي وسخ يتركه الإنسان وراءه فيه حفاظ على بيئته و ضريبته من الله هو أن المال حظ من ينظف ذلك الوسخ .
لو نرجع لطرح إسم فضلات الطيور"الزق" ، فإن هناك تقليد ما يسمى "بابا نويل" لدى المحتفلين برأس السنة ، هذه الشخصية لو تلاحظ أنها تضع قبعة تشبه في شكلها الأحمر شكل فضلة الطيور كما أنا البياض الدائر على محيط الرأس يشبه عش الطير (وقد ارفقناها في الصورة المرفقة تحت).
عند الرجوع لمحور شخصية بابا نويل فهو مرتبط بالرزق بحيث أنه معروف انه شخصية تقدم الهدايا للأطفال .
هناك أيضا في بعض الثقافات الشعبية من يقول أن فضلات الطيور تجلب الرزق و الحظ .. و أن من زقّت عنه الطيور سيأتيه مال في حياته .
من خلال ما سبق لو نربط .. نجد أن كلمة "زق" لها علاقة واضحة مع الرزق .. فما السّر ؟
السّر هو أنه في الكتاب الأول و من حكمة الله أن استعمل آية فضلات الطيور للدلالة على إسم "زق" الذي تكونت منه كلمة "رزق" ... و في الكتابات المصرية استعمل هذا الرمز ليقرأ عربيا من غير تحريف بإسم "زق" .
--------------------------------------------------------
من خلال ما سبق يمكن الوصول لحكمة متعلقة بعملية "ري ما نبت " و "إطعام الطيور" .. فالقيام بهاذين العملين لهم أثر على جلب الرزق فهم أعمال محبوب من الله أنها تجلب الرزق .
فالعصافير أو الطيور كائنات ضعيفة تطلب رزقها مما يوفره لها الإنسان .. فإذا انقطعت الزراعة و ما ينبت من ثمرات الأرض و حبوبها فإنها لا تجد ما تأكله ، و إذا لم يوفر لها الإنسان بعض غذائها فإن الرحمة ستنقص .
و اعتقد أن هناك آيتين من القرآن يمكن استخلاص هذا الشيئ منهما :
[ أولم يرو إلى الطير مسخّرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله إنّ في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ] النحل .
من الآيات التي نستنتجها هو جلب الرزق ... فهناك آية أخرى تربط الرزق بالإشارة للسماء التي سخّرها الله في جوّها .
[و في السّماء رزقكم و ما توعدون ] الذاريات .
تذكرت للتو المقولة التي تقول و تنسب لشخصية عمر بن عبد العزيز "انثروا القمح فوق الجبال كي لا يقال جاع طير في بلاد المسلمين" ... فهل هذه المقولة محرفة عن كون إطعام الطيور مرتبط بجلب الرزق ؟
[وَمَا تَأۡتِیهِم مِّنۡ ءَایَةࣲ مِّنۡ ءَایَـٰتِ رَبِّهِمۡ إِلَّا كَانُوا۟ عَنۡهَا مُعۡرِضِینَ - وَإِذَا قِیلَ لَهُمۡ أَنفِقُوا۟ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ قَالَ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ لِلَّذِینَ ءَامَنُوۤا۟ أَنُطۡعِمُ مَن لَّوۡ یَشَاۤءُ ٱللَّهُ أَطۡعَمَهُۥۤ إِنۡ أَنتُمۡ إِلَّا فِی ضَلَـٰلࣲ مُّبِینࣲ ] يس .
اعتقد أن هناك أمور بسيطة في حياتنا نظنها سهلة و لا فائدة ترجى منا اتجاهها لكن لها أثر قويم .. فمثلا نظن أن الطيور يمكن أن تأكل رزقها من الله لكننا نتجاهل دورنا في هذه الأرض الذي من شأنه أن يوفر رزقنا و رزق تلك الكائنات الملائكية ..فحقيقتها أن لها أثر عظيم في ارزاقنا ، فبدل أسرها و تقييد حريتها للمتاجرة بها الأحسن هو اطعامها .. و أظن أن كل رزق نطعمها لها في كل فضلة منه لنا فيه رزق كبير .
حتّى بالنسبة للبيوت ، فدائما مربوط تمنياتها بالجنة ...
[ربّ ابني لي عندك بيتا في الجنة ] التحريم .
فعلى الأقل كل شخص يملك بيت تكون له حديقة أو جنان صغير أو حتى نباتات صغيرة يرويها ، لأنه لها بركتها و لو حتى في إنتاج الأوكسيجين القليل .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق