الجمعة، 17 ديسمبر 2021

- الرجلان و الكلمة الخبيثة -(هل نقول ماشاء الله أو إلا ماشاء الله)


"ما" عندما نقولها دون أن يسبقها كلمة تحس الشك فيها أنها نافية ... مثلا : ما أكلت - ما رحت - ما قلت .

لكن عندما نقولها و يكون وراءها كلمة تكون مفيدة للتدليل على الفعل ...مثلا : نسيت ما أكلت  ، تذكرت ما قلت ..الخ .

عبارة "ماشاء الله" التي تدل على فعل المشيئة نلاحظ في القرآن أنها دائما يكون وراءها كلمة أو "إلا" .. و هذا كي تفهم "ما" بنحو التدليل و ليس النفي ... لأننا عندما ننطقها مباشرة "ما شاء الله" فسيفهمها العقل بأنها تعني بعدم مشيئة الله .

هناك خطاب واحد في القرآن يتحدث به شخص و يقول "ماشاء الله" ، و الأصل أنها قصة تحاول أن تصلح هذا الشيئ فهو أشرك بالله عندما قال "ماشاء الله" .

[ و اضرب لهم مثلا رجلين جعلنا لأحدهما جنّتين من أعناب و حففناهما بنخل و جعلنا بينهما زرعا - كلتا الجنّتين أتت أكلها و لم تظلم منه شيئا - و كان له ثمر فقال لصاحبه و هو يحاوره أنا أكثر منك مالا و أعز نفرا - و دخل جنّته و هو ظالم لنفسه و قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا - و ما أظن الساعة قائمة و لئن ردّدت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا - قال له صاحبه و هو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا - لكن هو الله ربي و لن اشرك بربي أحدا - و لولا إذ دخلت جنّتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله إن ترن أنا اقل منك مالا و ولدا - فعسى ربي ان يأتيني خيرا من جنتك أو يرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيدا زلقا - أو يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا - و احيط بثمره فأصبح يقلّب كفّيه على ما أنفق فيها و هي خاوية على عروشها و يقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا - و لم تكن له فئة ينصرونه من دون الله و ما كان منتصرا - هنالك الولاية لله الحقّ هو خير ثوابا و خير عقبا ] الكهف .

هنا قصة رجلين أحدهما شخص يملك جنّتين ، الشخص الذي يملك جنّتين راح لجنة صاحبه و دخلها قائلا له أنا أكثر منك مالا و أعز نفرا ... أما عبارة [و دخل جنته و هو ظالم لنفسه] فالمقصود بالهاء في كلمة "جنته" هو قصدها جنة صاحبه الذي دخل إليه فقد كان ظالما لنفسه و ليس بمثل ما نظنها أنها تعود على الرجل الذي يملك جنتين .

[ و ما أظن ان تبيد هذه أبدا ] المقصود بها هو أنها لن تستمر للأبد ... تبيد : تستمر إلى الأبد ... و كلامه صحيح و عادي .

[ و ما أظن الساعة قائمة و لئن ردّدت إلى ربّي لأجدن خير منها منقلبا ] .. عبارة ما أظن الساعة قائمة هي عبارة عادية فالساعة وقتها لازالت لم تقم ، و هو أعطى رأيه بأن قيامها لن يكون في تلك الفترة التي سيعيشها من حياته ، فهو أكمل وقال "و لئن رددت إلى ربي لأجدنّ خيرا منها منقلبا ، بمعنى أنه يؤمن بالبعث و انه سيرد الى ربه و بالعكس فهو تفاءل بأنه سيجد خيرا من جنة صاحبه التي كانت قليلة الانتاج و ميتة .

الرد من صاحب الجنة الذي نضنه حسب التفاسير ردا صحيحا هو غلط .. بل إن صاحب الجنة المتردي نتاجها هو الخاطئ و صاحب الجنتين هو الصحيح ..
فرد صاحب الجنة لصاحب الجنتين كان فيه عدة أخطاء :

1 - أولا كفّر صاحبه مع أنه يؤمن بالله بالقول له "أكفرت بالذب خلقك .." .

2 - ثانيا و هو لب و محور موضوعنا .. نصح صاحبه بأن يقول "ماشاء الله لاقوة إلا بالله" و عبارة ماشاء الله دون إلا تعتبر "ما" فيها نافية ..فالأصح القول "إلا ماشاء الله لاقوة إلا بالله" .

3 - حسد صاحبه بتمني زوال النعمة التي أنعمها الله عليه بدل أن ينصحه و يسكت ، بل و تمنى ان تزول نعمة صاحبه و تصبح له بدل صاحبه ... فهو خالف حكمة يقر بها القرآن و هي "و لا تتمنوا ما فصل الله بعضكم على بعض " .. فالأصح أن لايقارن الإنسان ما يتمناه من الله بغيره و أن يقول "اللهم إني أسئلك من فضلك" مصداقا للقرآن الذي يقول "واسألوا الله من فضله " ... وذلك تجسد في قوله "فعسى ربي ان يأتيني خيرا من جنتك أو يرسل عليها حسبانا من السماء فتصبح صعيدا زلقا - أو يصبح ماؤها غورا فلن تستطيع له طلبا" .

نتيجة التصرف الذي قام به الشخص الأخير قد عوقب بها من الله من قبل .. فهو قد فهم حكمة صديقه الذي زاره ليبين له سبب عدم مردودية جنته الخاوية من الثمار ... فأصبح يقلب يديه على ما انفق فيها ... فعبارة " و احيط بثمره فأصبح يقلّب كفّيه على ما أنفق فيها و هي خاوية على عروشها و يقول يا ليتني لم أشرك بربي أحدا " تعود على نفس المتحدث السابق الذي كان يظن انه ينصح في صاحبه و هو يحسده في نعمته .. و لذلك انتهت الآية بجملة "لم تكن فئة ينصرونه من دون الله و ماكان منتصرا" فهو من قبل لم يكن منتصرا و لم يكن له ذرية تنصره بسبب انه لم يكن له اولاد ... و لذلك وصف في بداية الحوار بأنه ظالم نفسه عندما دخل اليه صاحبه .

كذلك فإن الرجل المحسود من قبل صاحبه ، شدد القرآن على أن الله جعل له جنتان و ليس جنة واحدة لأنه جزاه الله جنة أخرى مضاعفة مقابل الحسد الذي كان يتلقاه من صاحبه الاخر .

... عند الرجوع لموضوعنا حول عبارة "ماشاء الله" فهي فيها شبهة و لا تصح و الأصل أن نقول " إلا ماشاء الله" 

كبار السن لدينا تعجبني عبارتهم عندما يقولون "إلا ماشاء الله".. فالأحسن نقول "إلا مشاء الله" و ليس "ماشاء الله" .

[إلا ما شاء الله إنه يعلم الجهر و أخفى] الأعلى .
[ إلا بما شاء وسع كرسيته السموات و الأرض ] البقرة .
[لا أملك لنفسي نفعا و لاضرا إلا ماشاء الله ..] يونس .

ربما البعض يستهتر بالعبارات و الكلام لكن لكل نطق تأثير على العقل .. و الكلمة الخبيثة يمكن ان تدمر بمثل ما بمكن ان تبني الكلمة الطيبة و الصحيحة ..
[ألم ترى كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت و فرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها و يضرب الله الأمثال للناس لعلّهم يتذكرون - و مثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من الأرض بغير قرار ] إبراهيم .
المثل الذي ضربه الله في ما يخص الكلمة الطيبة و الخبيثة هو بنفس مثل الرجلان .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق