الخميس، 9 فبراير 2023

.. مالمقصود بالعذب في وصف البحر الحلو ..


 نملك في الوصف القرآني وصف ثابت لبحر معيٍّن بأنه عذب ، لكن استخدام العبارة اليوم أصبح ملاصق لأي مياه حلوة المذاق .. فالأصل في كلمة عذب هي ملاصقتها لوصف نوع من البحار بأنه عذب .

[ وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح أجاج و جعل بينهما برزخا و حجرا محجورا ] الفرقان .

[ و مايستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه و هذا ملح أجاج و من كل تأكلون لحما طريا و تستخرجون حلية تلبسونها ... ] فاطر .

كلمة عذب ذكرت في القرآن لتصف نوع هذا البحر و ليس فيها تخصيص لوصف المياه الحلوة أنها توصف بالعذبة ..
"هذا عذب فرات" تعود على البحر = هذا بحر عذب فرات .

مالمغزى و المراد بوصف هذا البحر بأنه عذب ! أو بالأحرى .. مامعنى كلمة عذب؟

طبعا كلمة عذب هي كلمة اشتق منها إسم عذاب و يوجد علاقة بينهما ، فإذا المقصود هو أن هذا البحر في وصفه له علاقة بخاصية العذاب .. و هنا علينا البحث عن معنى كلمة العذاب .

العذاب في تعريفه المبسط هو مرتبط بالألم الذي يتلقاه الشخص جراء حسابه على عمل عمله أو لإكراهه للتراجع عن شيئ أو إرغامه على شيئ ، و نتفق على أنه نوع من الألام الذي يتلقاه الإنسان ... أصل الكلم و الأسماء مرتبط بالإنسان فهو من وُضع له هذا العلم و بالتالي فإن أصل الكلمة مرتبط بالإنسان ، وبالتالي فإننا عندما نبحث عن أصل الكلمة يجب علينا البحث في علاقة هذه الكلمة مع البشر .

إذا كانت هذه الكلمة تختزل الألم ، بالتأكيد أن أصلها مرتبط بتحديد أكبر ألم يتعرض له الإنسان .. فما هو أكبر ألم يمكن أن يتعرض له الإنسان إذا بحثنا ؟

سهل جدا ، هذا مختزل في إسم الإنسان .. الإنسان مصدر إسمه هو المُآنسة أي أنه كما يقال أصله كائن اجتماعي بطبعه لا يقبل العيش بمعزل عن غيره ، فأكبر شيئ يمثل طبيعة الإنسان هو عيشه مع إخوته من البشر و إلا فإن غياب هذه الخاصية يعرضه لأمراض لن يجد لها دواء إلا بمخالطة غيره من البشر ، وهذا يذكرنا بحديث نبوي يقول " المؤمن الذي يخالط الناس و يصبر على أذاهم افضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس و لا يصبر على أذاهم " .

أكبر عذاب يمكن أن يتلقاه المخلوق هو اعتزاله بني جلدته كالسجن الإنفرادي .. و هذا تشرحه الآية الآتية بشكل مستتر :
[ و تفقد الطير فقال ما لي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين • لأعذّبنّه عذابا شديد أو لأذبحنّه أو ليأتينّي بسلطان مبين ] النمل .
ماهو العذاب الذي يمكن أن تعذّب به الطائر إذا لم تذبحه ؟
واضحة ، هو أن تفقده حريّته في الطيران و تسجنه في قفص انفرادي... و لذلك فإن سليمان عليه السلام وصف هذا العذاب بالعذاب الشديد و السّر في ذكره مستترا هو وصف السجن بأنه أشد أنواع العذاب .

حتى كلمة عازب مصدرها عزب ، و نظن أن أصلا هو عذب كون أن هناك مناطق عربية تنطق حرف "ذ" ب "ز" .. مثلا "ذكي" يقولون "زكي" (في سوريا و مصر مثلا) ... و المغزى أن الشخص العازب هو كالمعذب فهو بعيد عن فطرة الزواج .. لأن الأصل في فطرة الإنسان عند بلوغه هو الزواج ، و بالتالي هذا يسبب له امراض كالإكتئاب و امراض بيولوجية اخرى بسبب وحدته و بعده عن الزواج .. فعكس كلمة زوج هو فرد أو واحد .

حتى كلمة عذب لو حللناها من منطوقها ( ع + ذب ) فهي تعني المنع او الخوف من الاختلاط .. 
صوت العاء (عععع) نستعمله تلقائيا و فطريا عندما لا نبغي شيئ معين أو نقرفه ، فمثلا عندما نرى طعام أو نشم رائحة لا تعجبنا نقول "اععععق" ، حتى في التخويف لاستظهار القوة او عندما نريد تخويف طفل مثلا نقول عبارة "ياعععع" .. و بالتالي فان وظيفة الع هي الرفض و التخويف من شيئ .
أما كلمة "ذب" فمعناها الاختلاط أي الذوبان ، فالذوبان عملية لا نستعملها للاشياء الصلبة الا لتحويلها لاشياء صلبة و اخلاطها .. مثلا ذاب السكر في الماء بمعنى اختلط مع الماء .

إذًا..إذا كان المصدر الأول لكلمة عذاب المقصود بها الشخص الوحيد الذي لا يختلط مع غيره ، فكلمة عذب المقصود بها "لا يقبل الإختلاط" ... و هو يمثل طبيعة البحر الأحمر الذي ذكرنا أنّه لم يكن يقبل أن يختلط مع البحر الأبيض المالح .

مياه حلوة اذا خلطتها مع نفس كميتها من المياه المالحة فإنها تفقد قيمتها و حلاوتها ، أما مياه مالحة تخلطها مع نفس كميتها من المياه الحلوة فإنها تبقى مالحة و لن تتحول لحلوة .. الأمر شبيه بالسكر الذي هو البحر العذب و الملح الذي هو البحر المالح فكلاهما أبيض و كلاهما ماء ، السكر يذوب بسرعة اذا عرضته لدرجة حرارة خفيفة و إذا وضعته في الماء فإنه يعود كتله واحدة أما الملح فلا يذوب إلا إذا عرضته لدرجة حرارة تصل لل800 درجة مئوية و إذا وضعته بتلك الحرارة في الماء فإنه يتفجر انفجار رهيب ، كذلك البحر العذب لا يقبل أن يصب فيه البحر المالح لكونه كتلة واحدة تذوب بسرعة أما الماء مالح فهو يحافظ على قوته و صعب ان تتغير طبيعته اذا اختلط .

سبب ذكر القرآن كون البحر العذب جعل الحاجز بينه و بين البحر المالح ، هو ان البحران لا يبغيان الاختلاط لكون البحر الفرات العذب ستتغير طبيعته وقتها مثلما تغيرت بشق قناة السويس ..

[ أمن جعل الأرض قرارا و جعل خلالها أنهارا و جعل لها رواسي و جعل بين البحرين حاجزا أإله مع الله بل أكثرهم لا يعلمون ] النمل .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق