-ذاكرة التيه ج2-
الذاكرة لدينا مبرمجة على زمنين لايمكن أن تراهم ممتزجين ... ذاكرة الزمن الأوّل و هو التاريخ الديني فهي متعلقة بجانب ظهور الدين الإسلامي في المنطقة وهي تبدأ حسب قارئي كتب التاريخ منذ القرن السادس بظهور الرسول محمد في مكة سنة 600 م و بعدها انتشار ذلك الدين بسرعة في كل ارجاء المعمورة ...أما ذاكرة الزمن الثاني فهي تكتسي طابع الصبغة اللادينية و هي لدى عامة المسلمين غير ضرورية الإطلاع و الفهم بحيث أنها حسبهم تمثل فترة حضارات كفر و ظلامية نظرا لأنها وقعت قبل التاريخ الذي يبدأ فترة بداية الإسلام ...
هذا الإنفصال جعل لدى المسلمين حد فاصل بين مسار الزمن الطبيعي الذي يرونه يكتمل إلى اليوم وهو منذ بداية ظهور الإسلام ، و بين الزمن ماقبل ظهور الإسلام الذي يرون انفسهم غائبين عنه و أنه لايعنيهم مع أن أحداثه وقعت داخل هذه الأرض.. فهو مبهم في و عيهم و يحمل أسماء حضارات غريبة و أناس يتحدثون بلغات عجيبة و ثقافات دينية تؤمن بآلهات لا تعد و لاتحصى .
حتى و إن أخذنا بمعيار أن التاريخ الذي يبرر واقع اليوم بثقافته الدينية و اللغوية المشتركة هو تحصيل لما حصل مع فترة ظهور و انتشار الإسلام إلاّ أنّ هذه الفترة التي تبلغ 1400 سنة (600م - 2021م) هي الأخرى فترة غير مستقرة فهي تتحدث عن دول تخلف دول ودول تنتشر هنا و تختفي هناك بصياغ يجعل القارئ لايرتب حول زمن مستقر و مستمر .
دعونا نناقش هذه الفترتين لعلنا نصل لأدلة منطقية يمكن من خلالها تشخيص هذا المرض الذي جعل تاريخنا ممزق و غير مستقر .
• هل هناك خيوط لدى وعي شعوبنا تربط زمن ظهور الإسلام بالفترة التي قبله ؟
الحقيقة أنّ التاريخ يجعل هناك شبه رابطة ، فالمسلم الذي يرى دينه ظهر في القرن السادس و برغم الضبابية التي تكسي ما قبل هذا القرن فقد جعلوه يرى القليل من الخيوط .. هذه الخيوط متعلقة بأن فكره يرى أن هناك أديان ظهرت قبل الإسلام و لها علاقة به ..أو بالضبط جعلوا تاريخ ارض منطقة المسلم متعلق بالمسيحية و اليهودية على أساس أن ظهور الإسلام له علاقة بتصحيح هذه العقائد .
لمناقشة هذه العلاقة علينا أن نبدأ بسرد موجز للأحداث التاريخية التي تذكر بداية المعتقد اليهودي و من ثم المعتقد المسيحي و من ثم الإسلام .. ومن ثمة سنناقش مخرجات هذه الرابطة ، لكن علينا أن نكون و نحن نقرأ هذه الأحداث بوضع المشاهد و الملاحظ و نسير بمنهجية أننا نستمع لشخص يسرد لنا أحداث و لا نعرف أهو كاذب أم هو صادق ...نحن الآن في منصب القارئ للتاريخ وليس الهاضم للتاريخ .
عند سردنا لما دار في زمن هذه الديانات سنسرد أهم الاحداث المتعلقة بذاكرة كل ديانة .
○ اليهودية :
نشوء هذا المعتقد مرتبط بالدرجة الأولى بالكتاب الديني الذي يمثله و هو كتاب العهد القديم ، و الرابط الثاني لديهم هو الهيكل الذي حسبهم بناه الملك سليمان وهو البناء المقدس الذي يمثل ركيزة دينهم ، أما اهم حدث لديهم فهو تحريرهم من السبي البابلي عن طريق الملك قورش الفارسي .
بداية السبي البابلي بدأت حسبهم بتدمير الهيكل من قبل الملك البابلي نبوخذنصر و الذي سبى اليهود وشتتهم من ارض فلسطين إلى الشتات و حدث ذلك تقريبا في القرن السادس قبل الميلاد (587ق.م) .
بعدها يظهر ملك فارسي يتغلب على مملكة بابل و يحرر اليهود من السبي البابلي ويعيدهم لفلسطين (538ق.م) .
لاتوجد معلومات تؤكد تاريخ نشوء كتاب العهد القديم ككتاب كامل ، لكن مايتم الإتفاق عليه أنّه أصبح كتابا معترفا به عندما تم ترجمته عن طريق مايسمى الترجمة السبعينية في عهد دخول اليونان و سيطرة الاسكندر المقدوني على مصر و عموم المنطقة ، بحيث يؤرخون أن الترجمة السبعينية حدثت من قبل 72 يهودي قامو بمباركة بطليموس الثاني بجمع العهد القديم في الإسكندرية و ترجمته إلى اللغة اليونانية وحدث هذا حوالي ثلاث قرون قبل الميلاد (260ق.م) ...
تذكر الرواية أنه بعد ترجمة العهد القديم تم وقوع خلاف بين الاعتماد على الترجمة اليونانية ام الترجمة العبرية بسبب اختلاف النبؤات و تغير الكلام .
○ المسيحية :
هناك من يظن أن تاريخ 1 للميلاد هو ميلاد عيسى ، لكن هذا غير صحيح بالمطلق فكتاباتهم التاريخية مختلفة حول سنة ميلاد المسيح .. وهذا ما يجعلنا نطرح سؤال كيفية اختراع التقويم الميلادي و يجعلنا نفتح باب كبير حول مصداقيته .. موضوع التقويم هو موضوع خطير و يمكن من خلال اختراع هذا التقويم أن تصنع تاريخ العالم بأسره .
المسيحية مرتبطة بثلاثة أحداث مهمة .. وهي ظهور عيسى و حادثة صلبه و احراق الهيكل من طرف دولة روما التي ظهرت بعد اليونان ..
و الحادثة الثانية بعد تولي قنسطين الأول الامبراطورية اليونانية (306م) ، بحيث كان له الدور في تنظيم مؤتمر ميلانو و مجمع نقية (320م) حيث ارتبطت هاذين الحادثتين باعتماد المسيحية كدين لروما ، و ظهور حادثة النزاع بين اريوس و اسكندروس حول طبيعة المسيح أهو مخلوق كالبشر و ابن للرب ام طبيعته الهية ... كما أن عصر التأليف حول هذه الديانة بدأ بشكل رسمي و موثق منذ تأسيس مجمع نيقيا أي حوالي ثلاث قرون منذ ظهور المسيح.
○ الإسلام :
الإسلام في وعي المسلم يبدأ في القرن السادس للميلاد أي حوالي سنة 600 للميلاد ، و قصة ظهور الإسلام مرتبطة بميلاد الرسول محمد داخل قبيلة صحراوية تسمى قريش تقع في أرض السعودية الحالية سنة 570م ، نزل القرآن هلى محمد في مكة و من ثمة انتشر الإسلام و العربية في كل البقاع .
تعتبر فترة البداية الرسمية للتدوين في الإسلام وليدة ثلاث قرون بعد ميلاد الرسول محمد ، فالكتب الرسمية للأحاديث و التفاسير و السيرة و الفقه هي وليدة القرن الثامن ، و تعتبر الفترة مابين ميلاد الرسول و القرن الثامن فترة ما يسميها كُتَّاب التاريخ زمن الشبح حيث لم تظهر أي اثار لمدونات كتابية تؤسس لمراجع الإسلام عادا القرآن .
تعتبر سنة 833 تاريخ مبايعة المعتصم ابن هارون الرشيد الذي عن طريقه أثار موضوع مايسمى محنة خلق القرآن ، وهي اختلاف المسلمين حول اعتبار القرآن مخلوق أم هو غير مخلوق باعتباره كلام الخالق ، بحيث قاد هاتين المسألتين كل من فرقة المعتزلة عن طريق جهيم بن صفوان و بين احمد بن حنبل و انتهت الفتنة الى غاية 860 م .
الآن عندما نناقش و نغربل التاريخ الذي يوصف هذه الثلاث الديانات ، سنتوصل لعدة نتائج غريبة ، لاحظ ..
- التشابه في الأحداث المهمة المرتبطة بالبداية الرسمية لكل ديانة :
• اليهود ارتبطوا بتهديم الهيكل من قبل مملكة بابل وتهجيرهم .
• المسيحية كذلك ارتبطوا بتهديم الهيكل و صلب المسيح وتهجيرهم .
• الإسلام كذلك ارتبطوا بمحاولة هدم بيت مكة من طرف ابرهة الحبشي و ببداية الدعوة هاجر من اسلم من مكة .
- التشابه في التسميات :
•قصة اليهود و قورش = قصة الإسلام و قريش .
قورش = قريش .
•بابل مملكة حطمت هيكل اليهود وهجرتهم = أبابيل الطيور التي هاجمت ابرهة و حررت مكة .
بابل = ابابيل (اسم مشابه) .
•أبرهة حاول هدم بيت مكة = إبراهيم بنى الكعبة حسب تفسير التراث .
أبرهة = إبراهيم نفس الإسم .
-التشابه في احداث مؤتمرات :
• خلاف حول الترجمة بين الإعتماد على الترجمة اليونانية او العبرية بعد مؤتمر الترجمة السبعينية اليهودي لكتاب العهد القديم.
• خلاف حول المسيح هل يملك صفة المخلوق ام لايملكها في مؤتمر نقيا المسيخي لمناقشة طبيعة المسيح ، تبني الخلاف بين اسكندروس و ايريس .
• خلاف حول طبيعة القرآن هل يملك صفة المخلوق أم لايملكها باعتباره كلام الله ، تبني الخلاف بين المعتزلة و احمد بن حنبل .
- التشابه في فوارق المدة (550 سنة تقريبا) :
• بين التحرير من السبي البابلي (538ق.م) و ميلاد المسيح = 538 سنة (-12سنة على 550)
• بين ميلاد المسيح و ميلاد محمد (570م) = 570 سنة (+ 20سنة على 550)
- التشابه في الفوارق (300 سنة تقريبا) :
• تحرير اليهود من السبي البابلي (538ق.م) - مؤتمر الترجمة السبعينية (260ق.م) = 278سنة (-22سنوات على 300 )
• ميلاد المسيح - مؤتمر نيقية (320 م) = 320سنة (+20 سنوات على 300)
• ميلاد الرسول محمد (570م) - نهاية حادثة القرآن(860م) = 290 سنة (-10 سنوات على 300) .
تدرك هنا أنه كان هناك مسطرة و قلم سعت لتصميم هذه الأحداث بهذا الشكل كي يملئ فراغات الزمن .
كل شيئ سهل ، عندما تشاهد الأفلام و المسلسلات اليوم يتم تأليفها بمئات الحلقات و بسيناريوهات خيالية فتأكد بأنه نفس التركيبة العقلية ساهمت قبل قرون في إنشاء هذه الذاكرة من اجل سحق دين واحد ... عندما تشاهد الإسلام دين متأخر زمنيا بالمقابل تشاهد ديانتين يسبقانه بقرون و تدور احداثهما داخل هذه الأرض فتأكد أن هناك من يريد أن يلغي واقع اليوم عن طريق غطاء التاريخ الوهمي .
ركز معي لتعرف مغزى هذه البرمجة الهندسية للتاريخ ..
- أولا يتم ربط تاريخ اليهودية بالحضارات القديمة :
ارتباط بطليموس الثاني كحاكم يوناني احتل مصر ليأمر بترجة كتاب العهد القديم .
ارتباط اليهودية ببابل وقورش الذي حرر اليهود من السبي البابلي .
- ثانيا يتم ربط المسيحية باليهودية عن طريق ضم كتاب العهد الجديد الى العهد القديم و تسمية النسختين بالكتاب المقدس .
و بالتالي هنا تصبح اليهودية دين لها وطئة في التاريخ القديم و الحضارات القديمة .. بالخصوص عندما يحمل تاريخها طابع سنوات ما قبل الميلاد .. فالجميع مسحور بعبارة ماقبل الميلاد على انها تعني ماقبل التاريخ .
القصة لم تتوقف هنا ... الغرب عندما جاء قبل قرون ليستكشف الأثار و ليدعي انه سيفككها لم يأتي بنية الولد الظريف المستكشف كما تصوره وسائل الإعلام و ميديا الوثائقيات .. المستكشفون أتو فقط من أجل اثبات النظري على التطبيقي ، بمعنى أتو كي يرسخوا تاريخ اليهود و كتابهم على الاثار الواقعية ... و بالتالي هم عندما يقرأوا اسم شخصية او اسم جغرافيا من كتابات نقوش اثرية يذكرها كتاب اليهود فالجميع يصبح يرى الخيال حقيقة و يصبح يؤمن بالكلام النظري التي تقرأه الكتب على انه حقيقة و السبب هو ان النقوش الاثرية واقع يبين حقيقة حدثت ووثقها ناس عايشو تلك الحقب .
علماء الأثار عندما اتو الى المنطقة ركزوا أول شيئ على مصر ..ليستخرجوا أول كلمة من اثار الكتابات المصرية قالو انها تنطق "رعمسيس" ، ثم يستخرجوا بعدها كلمة "كيليوباترا" و "بطليموس" .... هل هذا تصرف و حركة بريئة ؟ لا طبعا و سأقول لك لماذا ..
رعمسيس هي كلمة مذكورة في كتاب العهد القديم اليهودي على انها اسم مدينة مصرية قديمة استوطنها اليهود .. و بالتالي عندما اخرجت فرنسا و بريطانيا هذه اللفظة من الكتابات المصرية سيصبح الجميع يرى ان الكلمة التي يذكرها الكتاب العبري هي كلمة صحيحة و لها اشتقاق تاريخي.و موثقة في الاثار .
كيليوباترا و بطليموس هما شخصيتان من الشخصيات التي قالوا انها حكمت مصر في الفترة المسماة حسبهم "مصر الفرعونية" ، أما بطليموس الثاني فهو الشخصية التي امرت بترجمة كتاب العهد القديم من العبرية لليونانية ..... و بالتالي هم عندما استخرجوا هاذين التسميتان من الكتابات المصرية الاثرية سيصبح الجميع يرى من النظري تطبيقي و من الخيال واقع .. طبعا لأن الشخصيتان اذا وجدا في الكتابات المصرية الأثرية سيصبح تواجدهم قديما حقيقي و موثق .. و بالتالي من قام بهذه الخطوة و استخرج المنطوقان بأي طريقة كانت سيضرب عصفوران بحجر واحد و هو اثبات تواجد اليونان و روايتهم و اثبات وجود كتاب العهد القديم و ترجمته السبعينية .
المسلم من كل تلك الاثار غائب تاريخه الديني و اللساني ..منطقة مصر ب100 مليون مصري يتحدث عربي و ممن حولهم من كل الشعوب العربية التي تتحدث العربية و تدين الإسلام غائب وجودها من تلك الاثار و السبب هو ترجمة انسان جاء محتل لهذه الأرض و قال لأصحاب الأرض سأقرأ لكم كتابتكم الموجودة داخل أرضكم فأنتم لا تجيدون قرءاتها .
هل تساءلت يوما بأن تاريخك ليس حديث و ان اسلامك ليس حديث و ان اثارك الكتابية يمكن ان تكون عربية و اسلامية وقد تم تحريف منطوقها ؟ طبعا لم تتساءل لأنك داخل سجن جعل تاريخك يبدأ و يخرج من قبيلة صحراوية قبل 1400 سنة دون ان تمتلك شقفة اثر ..
.
.
.
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق