من الغريب أن يتطرق القرآن لذكر المسجد الأقصى مرة واحدة فقط و بصفة مباشرة و يربطها بحادثة الإسراء المفاجئة ... دون وجود أي ذكر لهذا المسجد في موضع آخر من القرآن ؟
[ سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير ] الإسراء .
سبب ذكر هذه الجزئية التي تخص المسجد الأقصى في آية واحدة فقط جعلت المسلمين يضنون أنه لاوجود لذكر المسجد الأقصى مع الرسل و الأنبياء السابقين... و هذا ما جعل بعض المؤرخين يلجئون لكتاب العهد القديم و الجديد لدى المعتقد اليهودي و النصراني و يتعاملون معهم على أنهم المصدر الوحيد الذي ذكر تاريخ منطقة المسجد الأقصى مع الرسل و الأنبياء السابقين .
كتاب العهد الجديد للمسيحيين يمشي على نهج كتاب العهد القديم لليهود ، و يربطون أن بداية تاريخ منطقة القدس و المسجد الأقصى قد بدأ مع النبي سليمان و قصة بناءه للهيكل المزعوم الذي لحد الآن لاوجود لأي أثر يثبته ... لكن ماذا لو كان القرآن يملك وصف بدليل حقيقي على أن موسى هو أول من دخل تلك المنطقة و لديه تاريخ معها .. و هذا الدليل سينفي بداية تاريخ ذلك البيت مع سليمان لأن موسى يسبق النبي سليمان ، بدليل آية طالوت و جالوت و أن النبي داوود أبو سليمان ظهر بعد موسى :
[ ألم ترى إلى الملئ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم أبعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله ........ فهزموهم بإذن الله و قتل داوود جالوت وءاتاه الله الملك و الحكمة ] الآيات 243 إلى 251 البقرة .
سنطرح السؤال مرة ثانية لكن بشكل أدق .. هل وصف القرآن أيات تدلنا على تاريخ القدس في ذاكرة أنبياء و رسل سابقين يسبقون النبي سليمان الذي تبناه كتاب العهد القديم لصنع كذبة الهيكل المزعوم ؟
الإجابة نعم و هي موجودة في قصة موسى في القرآن ..لكن تحتاج أن تقرأ كلام القرآن الآتي و تركز معي .
[ و إذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا ▪︎ فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا ▪︎فلما جاوزا قال لفتاه ءاتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ▪︎ قال أرأيت إذ آوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت و ما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره و اتخذ سبيله في البحر عجبا ] الكهف .
▪︎من هو الحوت :
تلاحظ أن الآيات مركزة على قصة الحوت ( نسيا حوتهما ..فإني نسيت الحوت) .. فهل لهذه الدرجة القصة مهمة لو أخذناها بمنطق تلك التفاسير التي تتحدث عن قصة حوت مملح يحمله موسى و فتاه من اجل أن يأكلاه ثم يستيقظ ذلك الحوت و يحيى من جديد و لا يجد موسى و فتاه ما يتغدياته ؟
مافائدة هذه القصة لي لو كان القصة تتحدث عن أكلة حوت مملحة هو تفسير هذه الآيات ، أكيد أن هذه الآيات لا تتحدث عن قصص أطفال بل تملك تفسير آخر يخص شيئ متعلق بآية أخرى تخص الحوت و لها و قع تاريخي مهم .
الآية عندما تقول "نسيا حوتهما" فكلمة حوتهما لا تعود على موسى و فتاه بل تعود على البحرين : [وإذا قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو امضي حقبا فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما]
بمثل ماتعود عبارة "بلغا مجمع بينهما" على البحرين ، فكذلك عبارة "حوتهما" تعود على البحرين .. وهذا الطرح سيجعلك تنتقل لسؤال مهم جدا ، فإذا كانت القصة تقصد حوت البحرين فمن هو حوت البحرين ؟
الحوت ليس حوت حقيقي الذي يعيش في البحر و نأكله .. بل هو آية تسمي تضاريس بحر يقع في يابسة مجمع البحرين بإسم الحوت .. كيف ؟
يمكنك التأكد من هذا مباشرة عندما تكمل الآيات : [ فلما بلغ مجمع بينهما نسيا حوتهما فاتخذ سبيله في البحر سربا ▪︎ فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا ]
فلماذا ذكرت الآية مباشرة بعد نسيان الحوت عبارة "فاتخذ سبيله في البحر سربا" و السرب هو من السراب التي تعني التيه في تحديد موقع معين ...بمعنى أن موسى و فتاه كانا يقصدان سبيل التعرف على بحر معين (رحلة استكشاف) هذا البحر يقع في منطقة مجمع بحرين ، و نسيان هذا الحوت له علاقة بتحديد البحر الذي كان موسى و فتاه يشقان سبيلهما له .
فهل هذا البحر الذي اتخذ موسى سبيله (طريقه) من أجل استكشافه هو نفسه الحوت .. و يسميه القرآن بالحوت ؟
لو أكملت سرد الآيات ستجد قول القرآن "فلما جاوزا قال لفتاه ءاتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا " .. ماذا تجاوزا ؟ ، و لماذا نصب عليها السفر ؟
الإجابة هي تجاوزا الحوت الذي كانا يتخذان سبيلهما للوصول له و نسياه ... و سفرهما قد نصب عليهما لأنهما قد نسيا و تجاوزا المكان الأصل الذي كان يشقان طريقهما له .
فكيف ينسى شخص مقصده الذي هو في الأصل ذاهب له ؟
هذا ما تجيب عنه الآية التي بعد أن ذكرت تجاوزهما و نسيانهما هذا البحر الذي كان مقصدهما بالشيئ العجيب (و اتخذ سبيلهما في البحر عجبا) .. بمعنى كيف أنهما اتخذا سبيلهما في بلوغ البحر و نسياه .. كأن تكون أنت مثلا ذاهبا في رحلة لاكتشاف منطقة معينة ثم تنسى المنطقة التي أنت مخطط لزيارتها أصلا ... و هذا يحدث بفعل التيه و يسمى "نصب السفر" فكثير منا قد سافر مناطق معينة و كان من اولوياته زيارة متحف معين مثلا او مكان سياحي لكنه يداهمه الوقت و تأتيه ظروف تمنعه عن زيارة المكان الذي كان من أولوياته .
[فلما جاوزا قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا ▪︎ قال أرأيت إذ آوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت و ما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا ]
يجب التركيز إلى أن فتى موسى لم يتحدث اطلاقا هنا بل موسى هو من كان يتكلم ، فبعد أن تجاوزا بحر الحوت الذي كان مقصدهما و نسياه ، قال موسى لفتاه أن يأتيه بالغداء و بأنهما قد لقيا من سفرهما هذا نصبا بمعنى أن السّفر قد نصبا عليهما و نسيا مقصدهما و تجاوزاه ..ثم يكمل موسى لفتاه السرد بالقول بأنهما عندما آويا إلى الصخرة فإنه قد نسي تذكر بحر الحوت .. و تنهي الآية سردها بصيغة التعجب "واتخذ سبيله في البحر عجبا" . بحيث أنها ترد على موسى الذي يسرد لفتاه قصة نسيانه الحوت و هو بالأصل قاصد له في سبيله و هذا شيئ عجيب ..فكيف للإنسان أن يسافر ليرى شيئا معينا و عندما يصل إلى المنطقة التي فيها ذاك الشيئ ينسى أن يمر عليه ليراه وهذا ذكر يدل على أن الشيطان يملك تأثير قوي قي التأثير على ذاكرة الإنسان .
▪︎أين يقع بحر الحوت ؟
إذا كنا بصدد دراسة أو تحديد منطقة جغرافية في القرآن فعلينا أن نعرف المنطق أو القاعدة التي يتعامل بها في تبيان تسمية الأماكن و المناطق ... فأكيد أن القرآن سيسمي الجغرافيا وفق نظرة عقلية و بعيدة عن التسميات البشرية الي لا تملك علاقة دلالية بين التسمية و المنطقة المسماة ، بحيث يجب أن يكون هناك توافق وترابط بين سبب التسمية و بين إحدى الخصائص أو الأوصاف الثابتة لأرض المنطقة المسمّاة على طول كل الأزمنة السابقة و المستقبلية.
فمثلا يسمي نهر معين بإسم "الجمل" نظرا لأن تعرجاته و خط سيره يشكل شكل رأس جمل وحدبة فيسمى النهر بإسم الجمل نظرا لأنه يشبه في تضاريس نشأته شكل الجمل .. و النهر سيبقى لكل الأجيال اللاحقة و السابقة بنفس شكل الجمل و بالتالي أي شخص سيراه من الأجيال سيطلق عليه إسم نهر الجمل .
[و في الأرض آيات للموقنين - و في أنفسكم أفلا تبصرون ] الذاريات .
فالأرض تحوي آيات بمعنى أن الله عند خلقه للأرض جعل بها خصائص معيّنة (آيات) ، فيخلق لك شكل تضاريس معينة بنفس شكل إحدى الخلق الذي في أنفسنا أو مايحيط حولنا ..فيخلق لك مثلا شكل نهر بشكل تعرجاته شكل جمل ، أو بقعة أرض خضراء وسط صحراء بشكل شجرة .
عندما نعود للواقع و نطبق هذا الكلام ستشاهد كما في الصورة المرفقة مع المنشور شكل البحر الذي يسمى حاليا "البحر الميت" ، ستلاحظ شبهه الواضح للحوت .. بحيث تلاحظه و كأنه حوت فاتح فمه ، و هذا هو المقصود بالتسمية التي سماها إياه القرآن و أقرنه بالحوت ... فالقرآن يعترف بالتسميات على حسب اهم خاصية تمثل الشيئ الموصوف و كما هو الحال بالنسبة للبحر الميت الذي يشبه في آية و دليل واضح شكل الحوت .
بحر يشبه في شكله شكل الحوت لذلك سماه الله الحوت و هو نفسه المقصود في نبأ قصة موسى و فتاه .
الدليل الثاني على أن القرآن يقصد البحر الميت بأنه الحوت هو الموقع الجغرافي بالنسبة لمجمع البحرين .. فهو بحر يقع في منطقة فلسطين الحالية و كما هو معروف فإن المنطقة ملاصقة لبرزخ سيناء التي تقع كذلك كحاجز فاصل بين البحرين الأبيض المتوسط و البحر الأحمر ... بمعنى أن البحر الميت (بحر الحوت) يقع في منطقة تجمع بحرين متقابلين و هما البحر الأحمر و البحر الأبيض المتوسط أمام منطقة سيناء المصرية الفاصلة بينهما .
▪︎من هي الصخرة التي ءاوى إليها موسى و ما علاقتها بالقدس ؟
إذا كان أصل تسمية البحر الميت هو الحوت ، من هي الصخرة التي أوى إليها موسى و فتاه ، أو بالأحرى أين تقع هذه الصخرة لنتأكد أكثر و نتيقن مما عرفناه ؟
أكيد أن هذه الصخرة شاهد تاريخي لا يمكن مسحه و هي تقع في منطقة قريبة من البحر الميت...بمعنى أنها تقع في منطقة فلسطين الحالية.
[قال أرأيت إذ آوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت و ما انسانيه إلا الشيطان أن أذكره ] الكهف .
أول سؤال يتبادر لذهنك هو : ما هذه الصخرة التي يمكن أن يأوي إليها شخصان ؟ و هل يمكن لهذه الصخرة أن تعيش سنين طويلة لتبقى كشاهد تاريخي ؟
الإيواء كما هو معروف هو المبيت أو الإقامة داخل بيت أو أي ملجئ يحوي الشخص .. فهل يمكن أن يأوي شخصان إلى صخرة ؟
أكيد أن هذه الصخرة ليست عادية ..أو بالأحرى هي بيت منحوت داخل صخرة كبيرة .
في فلسطين الجميع يعرف أنه يوجد مكان أثري قديم لصخرة أرضية و منحوت داخلها بيت .. و قد تم اتخاذه حاليا كمسجد يتم الصلاة فيه و تم تسمية المسجد بإسم قبة الصخرة ... و يتم ربط تاريخ هذه الصخرة بأن الرسول محمد قد أعرج منها للسماء في قصة الإعراج المعروفة من كتب التراث ... فهل تم ربط قصة هذه الصخرة مع تأويل آخر كي يتم التغطية على علاقتها بقصة موسى و فتاه ؟
الصورة المرفقة مع المنشور أرفقنا فيها خريطة لمكان البحر الميت (بحر الحوت) و أشرنا لمكان هذه الصخرة التي بني عليها مسجد قبة الصخرة بنقطة حمراء ، بحيث أنها منطقة متاخمة لمكان البحر الميت .
في مكان مسجد قبة الصخرة توجد تلك الصخرة التي ارقفناها في الصورة و التي يصلي داخلها الناس .. تلك الصخرة هي نفسها الصخرة التي أوي إليها موسى و فتاه و مازالت إلى اليوم تحافظ على قدسيتها ، و قد تم اتخاذها كمسجد للحفاظ على قدسية المكان و أثره .
• ما علاقة الصّخرة التي أوى إليها موسى و فتاه بتسمية القدس و المسجد الأقصى ؟
أعتقد أن الجميع يتبادر إلى ذهنه تواجد مسجدي قبة الصخرة و المسجد الآخر الذي يسمى المسجد القبلي بالقرب من بعضهما في مشهد لا نعرف فيه من هو البناء الذي يمثل المسجد الأقصى ، فالجميع لا يفرق بين المسجدين لقربهما من بعضهما .
فالمعقول أن منطقة بتلك القدسية التي تمثل المسجد الأقصى هو تواجد بناء مسجد واحد فقط ، فمالداعي لتواجد مسجدين يقربان من بعضهما بخطوات ؟؟
المشكل أنك تجد التفسيرات تتضارب حتى لمعرفة من هو البيت الذي يمثل المسجد الاقصى ، فهناك من يقول أن مايسمى الجامع القبلي هو الأقصى ، وهناك من يقول أن مساحة الصور المحيط بمسجدي قبة الصخرة و المسجد القبلي هي كلها تمثل أرض المسجد الاقصى ، فيما تجد الناس يتداولون صورة مسجد قبة الصخرة الذي يملك قبة صفراء ذهبية على أساس أنه هو الأقصى ... و الحقيقة انك تحتار و تطرح عدة اسئلة عن سبب هذا التنازع الذي يشوش عن معرفة المسجد الأقصى ؟!
عندما نتناول موضوع البناء الذي يسمى "قبة الصخرة" فإنك تحتار عن سبب تسميته بهذا الإسم ، فلماذا لم يسمى "مسجد الصخرة" و سمي "مسجد قبة الصخرة" تحس و تشعر و كأن كلمة "قبة" تحاول أن تشوش على تسمية "مسجد الصخرة" كي تعطي طابع أن المسجد سمي بهذا الإسم لكونه يملك قبة معدنية مبنية باللون الأصفر الصخري ، و في نفس الوقت تنسي المتمعن في هذا المسجد عن سبب وجود الصخرة التي داخله و التي يصلي داخلها الناس .
المذكور أن بناء المسجد كان في القرن السادس للميلاد للملك الذي المسمى ابن مروان ، يتوسط البناء الصخرة المشرفة، وترتفع هذه الصخرة نحو متر ونصف المتر عن أرضية البناء، وهي و هي عبارة عن مغارة غير منتظمة الشكل يتراوح قطرها بين 13 و18 متر كما في الصور المرفقة مع المقال .
فتجد أن التاريخ الذي يفسر تواجد تلك الصخرة هناك لكونها الصخرة مربوط بقصة الإسراء و المعراج دون الحديث عن أصلها الأوّل .. فهم قد اقرنوها بقصة المعراج من اجل ان يجعلوا تاريخ علاقة المسلمين و الإسلام بها رهين القرن السادس للميلاد ، فتجد الغموض يكتنف تاريخ بناءها و كيفية بناها و من بناها .
الحقيقة أن تلك الصخرة هي نفسها الصخرة التي آوى إليها موسى و فتاه ... وسميت الصخرة المشرفة كونها كانت مسجدا و قد شرفها الله بذكرها في القرآن .. فتلك الصخرة تقع على مقربة من منطقة البحر الميت (الحوت) فهي تبعد بكلومترات سفر .. و موسى و فتاه قد أقاما بها عندما كان مسافرين إلى سبيلهما في اكتشاف آية بحر الحوت .
المسجد الذي اتخذ على تلك الصخرة هو نفسه المسجد الأقصى ... و قد ارتبط قديما تاريخ المنطقة هناك بما يسمى "التقديس" بحيث أن كل من يحج للمسجد الحرام و القبلة يسافر كذلك للمسجد الأقصى و يسمون الذاهب إليها بعد الحج بالمُقدِّس و هو ما زال معروفا لليوم مما تبقى في ذاكرة ساكنة المنطقة ........يتبع
.
.
.
.
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق