ذاكرة التّيه -
درجة الوعي التاريخي أو تذكر تاريخ شعب و أرض منطقتنا يواجه مشكلة بين الواقع الشعبي و بين الواقع الذي أسميه الإفتراضي ... فالواقع الشعبي تجده في فكره التاريخي الواعي و الحي بعيد كل البعد من أن يحوي داخله فكر لايعتمد على مرجعية الكتب التاريخية... بمعنى أنك لو تقرأ الكتب التاريخية التي تتحدث عن تاريخ حضارات المنطقة و تسأل أشخاص من أوساط الشعب حول تلك الحضارات تجدهم لن يفهموك حتى عن ماذا تقصد ، أو حتى عندما تسألهم عن التاريخ المتعلق بالجانب الديني فإنك بدايةً تجدهم يرحبون بذلك نظرا لارتباط معلومات هذا التاريخ بقدسية دينهم ، لكن ستجد لديهم في النهاية صعوبة في تذكره فهم لن يعرفو ماذا حدث في زمنهم الديني إلا إذا رجعوا للكتب التاريخية التي تتحدث عن الإسلام ..
بمثال أنك لو تسأل شخص من أوساط الشعب أو حتى عموم المثقفين عن الدول الإسلامية أو مايسمى الخلافات الراشدة المذكورين في الكتب فإنه سيواجه صعوبة حتى في عدّ تسميتهم عليك و حتى وإن أجابك فإنه سيستجلب ذلك من خلال تذكره لحبر صفحات الاوراق البيضاء في الكتب ، بمعنى أنك لاتجد الشعب يستورد تاريخه من ذاكرته الحية التي تعتمد على حكايات أجداده أو أباءه او كلام المجتمع في أوساط الحياة العادية بل تجده خزين المصنفات الكتابية ...وهنا ستطرح السؤال المنطقي حول كيفية مرور أكثر من أربعة عشر قرنا وهذا التاريخ المقدس ناشئ داخل صلب الشعب في خين أن ذاكرتهم المتوارثة خالية من ذلك الإنطباع الذي يحفظه ؟! ..لقد ضحكت ذات مرة عندما سألت أحد مقربي عن تاريخ سنتنا الهجري اليوم و عجز عن إعطاءي الجواب ؟! .
المشكلة هذه ليست مشكلة عادية لأنها تدل على أن فكر الشعب الحي يصارع من أجل تقبل فكر يملى عليه في الكتب ، أو بالأحرى هناك انقسام واقع بين الذاكرة الحية و بين ذاكرة كتب غائبة في الوجدان الحي لشعوب المنطقة و تريد بالغصب فرض نفسها ... حتى و إن أخذنا بمعيار الناس التي لها اعتكاف بالكتب التاريخية فإنك تجد هؤلاء القوم يعانون من صعوبة في قراءته ، هذه الصعوبة تكمن في أن مسار الزمن في القدم غير مستقر و يحوي تاريخا يتحدث عن حضارات تحمل تسميات غريبة و تتحدث لغات غير موجودة على الواقع و ثقافة دينية غريبة تعتمد على الإيمان بأساطير و ميثيولوجيا لايتقبلها العقل الواقعي ، تشعر و انت داخل تلك الكتب بأن تاريخ هذه الأرض لايملك وحدة أو اشتراك لا في الثقافة ولا في اللسان و لا في اللغة ... التاريخ الذي من المفروض أن تجده تاريخا يمثل كونها خرجت من ثقافة و بقعة أرض واحدة بلسان واحد ودين واحد ... لكن العكس تماما ، تلك الكتب تذكر تاريخا لايذكر لا الاشتراك و لا الوحدة التي من المفروض أن تمثل تاريخ البداية الأولى ..
تجد أن هذا الإشتراك الذي نشهده اليوم قد انفجر فجأة لوقت متأخر مع ظهور الفترة الإسلامية التي أصبحت النقطة الزمنية المتأخرة التي حصرها التاريخ في القرن السادس للميلاد .... أصبحنا نحس انفسنا اقناء قراءة تلك الكتب بأننا ولدنا او انفجرنا فجأة في سنة 600 للميلاد .
هل يمكن أن تكون الكتب التي نقرأ منها تاريخنا هي كتب تسعى لصنع ذاكرة جديدة للمسلمين متأخرة و غائبة عن التاريخ الأول ؟ أين ذكر واقعنا المشترك اليوم من الأثار و الكتابات الأثرية الكبيرة المتواجدة على أرضنا ؟
كل شيئ وارد خصوصا إذا عرفنا أن التاريخ تكتبه القوة المسيطرة و عندما نعلم أن تاريخ أرضنا خلال القرون الأخيرة قد عانى من ويلات الإحتلال التقليدي و ماقبله كانت كل المنطقة تحت سيطرة العثمانيين... عندما نعلم أن كل كتابتنا الأثرية المصقولة على الحجر و تمثل أقدم أثار العالم قد قام بفك ترجمتها محتل يسعى للسطو على هذه الأرض ..فهل نحن نواجه ذاكرة تاريخية تسعى لتتييهنا و نفينا من التاريخ لصالح شعب آخر يريد السيطرة على هذه الأرض ؟
نعم...بكل وضوح عندما تشاهد معلومات كتاب العهد القديم اليهودي يطابقها علماء التاريخ و الاثار كل يوم مع اثارنا و كتاباتنا الاثرية ، في حين يتم نفي أي كلمة عربية او إسم لله ورسله من أي شقفة أثر .
.
.
.
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق