- نسيان مفهوم النبؤات جعلنا ننسى كتابنا الأصل -
كمسلمين جعلونا نعتقد أن التوراة و الإنجيل هما كتابي العهد القديم و الجديد لنغفل عن حقيقة من هما التوراةو الإنجيل الحقيقيين ، و هذا لسببين جوهريين ... السبب الأوّل هو التلاعب بثقافة النبوءة لدينا نحن المسلمين ، أما السبب الثاني فهو إخفاء كتابنا الأصلي الذي بقي معنا قُرءانه الذي قُرأ منه .
■ التلاعب بنبؤات الكتاب الأصل لصناعة كتب وهمية .
القرآن يحوي داخله كلام يتحدث عن أنباء ، فيسرد أحداث مهمّة تفسّر واقع الإنسان اليوم ... لكن المشكل أنه تم الإحاطة بتلك النبؤات بجانب جعلها ملكا لكتابين أصبحنا نراهم كتابين نزلا قبل الكتاب الذي يمثل الإسلام ، للتفصيل في هذا الطرح علينا فهم النقطة الأبرز وهي "النبأ" كمفهوم.
عندما تقرأ قصص القرآن الذي يتبع أثر أحداث شخصيات مهمة في التاريخ ، تجد ثقافة النبوءة هي الممثل الرئيس الذي سرد تلك الأحداث ، لاحظ :
[نتلوا عليك نبأ موسى و فرعون بالحقّ لقوم يؤمنون] القصص .
[واتلوا عليهم نبأ ابني آدم بالحق .... ] المائدة .
[واتلوا عليهم نبأ نوح ..... ] يونس .
[واتلوا عليهم نبأ ابراهيم .. ] الشعراء .
[واتلوا عليهم نبأ الذي أتيناه آياتنا فانسلخ منها .. ] الأعراف
تجد أن تلاوة أحداث قصص هؤلاء الأنبياء و المرسلين حسب القرآن واردة من نسق "تلاوة النبأ" ، و النبأ كما هو معروف هو حالة تسرد الوقائع قبل حدوثها و ليس بعد حدوثها .. لكن حينما ترجع للفكر السائد بسبب كتب التراث تجد أنهم يفسرون القرآن على أنه كتاب نزل بكلام يتحدث عن قصص أنبياء قد تم ذكرهم في كتابين سابقين .. و إذا أخذنا بفرضية أن كلام نبؤات القرآن قد ذُكر في كتابين سابقين بقصص مشابهة و أن القرآن تحدث عن أنباء هؤلاء الشخصيات و الرسل بعد حدوثها فهنا تنتفي صفة النبوءة و نصبح ندحض عبارة "واتل عليهم نبأ" فالأحداث اصبحت من الماضي ولم تصبح نبأ يتلى أوّل مرة ... و هنا لب الإشكال الذي هو فينا نحن الذين خرجنا عن صياغ فهم حديث القرآن .
و هذا ما يجعلنا نطرح السؤال حول فرضية وجود كلام نبؤات القرآن قبل حدوث تلك الأحداث ؟
بمعنى ، هل كانت تلاوة قصص الأنبياء و المرسلين المذكورين في القرآن موجودة قبل حدوث وقائع تلك القصص ؟
الإجابة بكل بساطة "نعم" لأن كلام القرآن يقول بأنه تلاوة لنبأ ... فلو نأخذ مثلا الخطاب التالي :
"نتلوا عليك نبأ موسى و فرعون بالحق .."
هنا خطاب جماعة تقول "نتلوا عليك نبأ " ، بمعنى مجموعة أناس تتلوا على شخص آخر أحداث ستحدث مع شخصيتين هما "موسى و فرعون" ، لكن هذا الشخص المُخاطب عندما يسمع تلاوة النبأ تكون أحداث تلك النبؤات قد حدثت قبله ... فكيف يتلوا هؤلاء الناس لشخص مستقبلي نبؤات حدثت من بعدهم و في نفس الوقت حدثت قبل زمن الشخص الذي يخاطبونه ؟!
-بمثال شخص يدعى "أ" يخاطب شخص يدعى "ج" حول أحداث وقعت مع شخص آخر يدعى "ب" .
-أحداث الشخص "ب" بالنسبة للشخص "أ" هي أحداث وقعت بعد زمنه ( بعد وفاته) ، بمعنى أن "أ" قد تنبأ بأحداث "ب" قبل حدوثها .
- أما بالنسبة للشخص المخاطب "ج" و الذي يستمع لأحداث حدثت مع الشخص"ب" و التي ينبؤه بها الشخص "أ" قد وقعت في زمن ماضي قبل ميلاده (وقعت قبل ميلاد ج) .
فكيف استمع الشخص"ج" للشخص "أ" و الأحداث التي سردها "أ" له قد وقعت بعد وفاته ؟ ... أو بسؤال آخر ما هي الطريقة التي تمكن عن طريقها الشخص "أ" من سرد أحداث وقعت بعد وفاته لمن يأتي من بعده ؟
سنوضّح بمثال آخر ..
تخيّل معي هناك ثلاث أطراف .. الطرف الأوّل هي المجموعة التي تتلوا النبؤات و سنسمّيها "المتنبئون" ، و الطرف الثاني سنسميهم "المُتنبّأ بهم" و هم الشخصيات التي وقعت معهم أحداث النبؤاء التي تنبئأ بها المتنبؤون ، أما الطّرف الثالث فهو الشخص المخاطب الذي يتلوا عليه المتنبؤون الأحداث التي وقعت مع المتنبأ بهم و سنسمّيه "الرّسول" .
المتنبؤون + المتنبأ بهم + الّرسول .
المتنبؤون = تلاوة أحداث مستقبلية .
المتنبأ بهم = أشخاص وقعت معهم النبؤات .
الرسّول = الذي وصلته تلاوة ما حدث مع المتنبأ بهم .
كيف سنفهم هذا مع الآية "نتلوا عليك من نبأ موسى و فرعون لقوم يؤمنون " :
‐ الأحداث التي وقعت مع المتنبأ بهم هي أحداث موسى و فرعون ، و المتنبأ بهم هم موسى و فرعون .
-المتنبؤون هم الذي حدّثوا بأحداث النبوءة قبل حدوثها ، بمعنى أنهم عرفوا ما سيحدث مع فرعون و موسى قبل وقوع الوقائع .
- الرّسول هو الشخص المخاطب بتلاوة النبأ ، و الذي يقص عليه المتنبؤون ما حدث مع "فرعون و موسى" قبل ظهوره .
وهنا سنطرح السؤال من جديد ، كيف تمكن المتنبأون من سرد وقائع حدثت بعدهم لشخص آخر ظهر بعدهم و بعد وقوع الوقائع التي تنبؤوا بها ؟؟
الإجابة ستكون بجواب منطقي ، و هي أنّهم تركوا للرسول رسالة مكتوبة فيها نبؤات ما سيحدث بعدهم .. هذه الأحداث التي كتبوها للرّسول وقعت قبل ميلاده و ظهوره ... و هو ما يتلخّص في نبوءة القرآن ، فالقرآن هو عبارة عن كلام كتبه ناس متنبؤون عاشوا في زمن ساحق و عرفوا أهم الأحداث المهمّة و الخطيرة التي ستحدث على طول مسار الزّمن ، فقاموا بكتابة أهم تلك الأحداث لمن يأتي من بعدهم كي يفهم الخلل و المشاكل الذي حدثت مع الناس طوال الزّمن و يجد الحل .
[كان النّاس أمّة واحدة فبعث اللّه النّبيّين مبشّرين و منذرين و أنزل معهم الكتاب ليحكم بين الناس فيما اختلوا فيه ، و ما اختلف فيه إلاّ الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البيّنات بغيا بينهم ، فهدى اللّه الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه و الله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم ] البقرة .
بمعنى أنّ الناس كانوا أمة واحدة ، و الله بعث النّبيين لينزل معهم الكتاب ... مهمّة هذا الكتاب هو الحكم بين النّاس فيما اختلفوا فيه من اشكاليات تقع لهم ... لذلك كانت النبوءات التي كتبها الأنبياء بالكتابة التي انزلها الله هي السبيل الوحيد لتبشير و إنذار النّاس (مبشّرين و منذرين) حول ما سيحدث على طول الزّمن الذي سيعيشونه .
تخيّل وجود نظام كتابة قديم جدا نزل مع الأنبياء الذين ظهروا مع النّاس الأولى ، بحيث استعمل ذلك الخط الكتابي في كتابة النبؤات التي تنبأ بها الأنبياء سواءا بتبشير أو إنذار الناس عن ما سيصادفهم ... و بالتالي ذلك الكتاب سيؤمن به أناس تؤمن بالغيب ، أي أنّه يجب على الناس المؤمنة بذلك الكتاب أن تؤمن بالكلام المكتوب داخل ذلك الكتاب حتى و إن لم يكونو حاضرين أو مشاهدين للأحداث التي يتحدث عنها ... لذلك تجد كلام داخل القرآن يرشدك إلى كتاب فيه هدى لمتقين يؤمنون بالغيب :
[ألم - ذلك الكتاب لاريب فيه هدى للمتّقين - الذين يؤمنون بالغيب و يقيمون الصلاة و مما رزقناهم ينفقون ] البقرة .
الآن ، ماذا حدث لهذه النبؤات و لماذا وقع خلل داخلها ؟
الذي وقع أنّ هناك كيان قام باستغلال تلك النبؤات و كتب كتب تحوي كلام مشابه لنفس النبؤات التي يحملها كتاب النبؤات الأصلي ، فالقرآن الذي هو قراءة نحفظها كمسلمين من الكتاب الأصل تم استعمال كلام نبؤاتها لإنشاء كتب تسمى العهد القديم و الجديد ليجعلونا نعتقد بأنها كتب سماوي أنزل من عند الله قبل كتابنا الذي خرج منه القرآن ..
أصبحنا نرى أن الكتاب الموجود لدى الطائفتين المسماة اليهودية و المسيحية هو كلام خارج من نفس جنس كتابنا نحن المسلمين ... و وقع الإشكال لدينا في أنّ الكلام الذي يحويه كتاب العهد القديم و الجديد يحوي شخصيات تشبه نفس أسماء الشخصيات و تقريبا بنفس أحداث القصص التي سردت في كتابنا ( فأصبحنا نرى أن موسى الإسلام هو موشي ماليهود ، و سليمان الإسلام هو شالومان اليهود ، و عيسى الإسلام هو يسوع المسيح ..وهكذا) .
و بالتالي عند الرجوع لتلاوة النبؤات و نقرأ :
"نتلوا عليك نبأ موسى و فرعون بالحق لقوم يؤمنون"
فعليك أن تضع سطرين على كلمة "بالحق" و ليس بالباطل .. لأن هناك كتب تسرق هذه النبؤات الأصل و تصنع منها كتب تصبغ عليها الصبغة السماوية لخداع الناس أنها نزلت قبل كتابنا نحن المسلمين .. ولكي تضع معتنقي تلك الديانات في زمن قديم متقدم علينا على أنهم قوم عاشوا في هذه الأرض بثقافة دينية مشابهة لثقافتنا .
والقرآن قد تنبأ بهم و بما سيفعلوه للتلاعب بكتاب المسلمين ..
[ و إنّ منهم لفريقا يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب و ماهو من الكتاب و يقولون هو من عند الله و ما هو من عند الله و يقولون على الله الكذب و هم يعلمون ] ال عمران .
علينا التفريق بين الكتاب ككتابة و بين القرآن الذي نملك اليوم كمقروء من تلك الكتابة .. و إلا لن نعرف كتابنا الأصل الذي وضعناه وراء ظهورنا و نسيناه .
.
.
.
.
.
.
يتبع
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق