الجمعة، 8 يناير 2021

_الذاكرة بين الزمن الطبيعي و الزمن الإصطناعي ج٢_ -ماهي اول كتابة كتب بها الناس ؟-



لا تحتاج شهادة أستاذية في التاريخ و لا تحتاج أن تقرأ آلاف الصفحات الورقية من كتب التاريخ الإنجليزية و الفرنسية ، فقط تحتاج عقلك الفطري و ان تطهر نفسك من كل المصيغات التي تحاول أن تشوش عليك قراءة الواقع الذي يشرح لك تاريخك الطبيعي و الواقعي .

المشكلة اليوم لم تصبح مشكلة منتوجات فكرية دخلت إلى عقول شعوب هذه الأرض ، بل تعدتها إلى الفكر الشعوبي الذي أصبح فيه الناس يقرأون التاريخ وفق ميولاتهم التي يدافعون بها عن جنسية حدودهم الجغرافية ، كل واحد منا يقرأ عندما الكتابات التاريخية التي تحدثه عن تلك أزمنة الوهمية التي تحيط بكل قطعة جغرافية من الدول المقسمة حاليا بحدود سايكس بيكو سيصيبه مرض الشعوبية ، بحيث كل ساكن في المنطقة أصبح يرى نفسه و كأنه خرج كالدود من الأرض و لا يملك بؤرة واحدة خرج منها مع كل هذه الشعوب اليوم ، فكل واحد منهم اصبح مهووس بنظرية "انا أول من" ، نحن أول من تكلم اللغة الفلانية ، نحن أول من كتب الكتابة ، نحن أول من عبد الالهة الفلانية ..الخ ، و العجب أن كل تلك المواضيع التي يخوضونها كلها تملك سند من نفس المؤلفين الذين يكرسون تلك العقدة لدى كل شخص متفرق في منطقته على حدى.

تتعالى الصيحات كل مرة بأن مسمى السومريون هم أول من اخترع الكتابة عن طريق مايسمى الخط المسماري ، و ترافقها النظريات بأن مايسمى الفينيقيين هم أول من اخترع نظام الكتابة عن طريق ما يسمى الخط البونيقي، و تظهر نظريات المانية اخرى تقول خط المسند اليمني هو أول اكتشاف كتابي في التاريخ .. اما جماعة الأقليات فقد اصبح لديها صوت صارخ و يتعالى كل يوم بترديد عبارة نحن السكان الأصليون و يتحججون بقطعة حجرة أو مؤلفات كتابية زاخمة تحاول ان تعطيهم تلك العقدة المكرسة لمرض "أنا أوّل من " .

• بأدلة منطقية ماهي الكتابة الأولى التي ظهرت في المنطقة و التي خرج منها الإنسان الأول  ؟

أريد أن أنوه اني لست ضد أي شعب معين و لست هنا لعمل إشهار لأي شعب معين ، لأن هذه الحدود الجغرافية لم يكن لها أي وجود قديما فالارض كانت واحدة و الشعب الساكن على هذه الأرض كان واحد ... و بالتالي فأنا عندما أقول مثلا أن الكتابات المتواجدة بمصر هي الكتابة الاولى فأنا لا اعني بذلك العبارة المفخمة التي يتفاعل بها بعض امراض النفوس بشأن الترويج لشعب معين انه افضل من شعب أخر او شيئ من هذا القبيل ، لا بالمطلق ، فجدك الأول الذي قرأ الكتابة داخل ارض مصر هو نفسه جد من يسكن مصر حاليا فالناس كانت أمة واحدة .

 أنت لما تدرس بعينيك واقعيا كل الكتابات الأثرية المتواجدة بالمنطقة وترى أمامك بمصر مئات الالاف من الكتابات التي لازالت تخرج من تحت الأرض إلى اليوم و ترى ايضا في المشرق او المغرب العربي تواجد قطع اثرية تحوي كذلك على كتابات ، فإن التأكد و التيقن على حقيقة أول كتابة كتابة كتبها الإنسان لايعتمد على تلك الأجهزة او الظنيات الكتابية التي يكتبها المؤرخون الغرب بدافع سياسي مفرق ، بل إن المعيار الأنقى و الأصلح لتحديد أول كتابة ظهرت هو عقلك المنطقي .

الإنسان الأول أو الكتابة الأولى التي من المفروض أن تكون هي الكتابة التي يتمكن من قراءتها و كتابتها اي شخص بسهولة هي الكتابة التي تعتمد على الصور ، فأنا منطقيا لو كنت أعيش مثلا داخل المجتمع الروسي فلا أستطيع أن افهم الكتابات الروسية و لا اقرأها لكن عندما أمر على محل و أرى بقرة و خروف و قطعة لحم أحمر مصورة على لافتة المحل فساعرف مباشرة أن المحل هو محل لبيع اللحوم دون ان اقرأ الكتابات الروسية .... بمثال آخر لو الولد الصغير أو الإنسان الأمي الذي لايجيد القراءة و الكتابة او الشخص الأصم لو ترسم لهم صورة "عين" فسيعرفون كلهم أن الصورة تمثل صورة "عين" ، و الإنسان الأمي سيقرأها و يقول لك "عين" ..لكنك عندما تكتب لهم الكلمة بنظامنا الكتابي الحالي المتفقين عليه مسبقا و الذي علمونا إياه في المدارس فإنهم لا يمكنهم قراءة الكلمة بهذا الخط "عين" ، طبعا لأن فطرة الإنسان يمكنها قراءة كل الصور و التعرف عليها لأنها تحيط به في الواقع ، أما الكتابات التي يتفق علبها الناس فهي تنشأ من تنظيمهم و لايمكن قراءتها و كتابتها إلا إذا تعلموها بينهم مسبقا و اتفقوا على نظام كتابتها .

الآن أنت عندما تشاهد ما اسمته المؤلفات الغربية الكتابات المسمارية و المسندية و الفينيقية و الهيروغليفية ، فستكتشف مباشرة أن النظام الكتابي المتواجد بمصر يحوي على رموز تصويرية كثيرة استعملت في الكتابة و يصل عدد الرموز إلى 700 رمز و كلها رموز تصويرية تعتمد على صور الموجودات الظاهرة في الحياة (عين ، زهرة ، شجرة ، فم ، أذن ، زرافة ، فيل ، يد ، وجه ..الخ) ، بالمقابل عندما تشاهد باقي الكتابات المسندية و المسمارية و الفينيقية فستجدها مكتوبة برموز متفق عليها و لايمكن استيعابها إلا بمعرفة مصدرها الأول و الأساسي ، فالمسندية مثلا تعتمد على 29 رمز و المسمارية تعتمد على 30 حرف و هذا إن دل فإنما يدل على أنها كتابة متأخرة و ليست كتابة اولية ظهرت مع الإنسان الأول كما هو الحال مع الكتابات المصرية التي تعتمد على 700 رمز و كلها يمكن إبصارها و معرفة تأويلها كونها خرجت من صور المحيط الذي يحيط بالإنسان .

وبالتالي فإن المنطق العقلاني يفيد بأن الكتابة المصرية هي أول الكتابات التي تعرف عليها الناس في المنطقة ، أما الكتابات المسندية و المسمارية و الفينقية فهي كتابات ظهرت بعد الكتابة المصرية بأمد طويل فهي كتابات متطورة و مكتوبة بنظام كتابي متفق عليه يدل على وجود نمط كتابي سابق عنها .

• موقف القرآن ؟

القرآن الكريم ككلام مقدس محفوظ لدى شعوب المنطقة ، فإنه يشير و يدعوا إلى أقدم و أول كتابة تخص الإسلام و التي لم يسبقها أي كتابة أخرى :
{قُلۡ أَرَءَیۡتُم مَّا تَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ أَرُونِی مَاذَا خَلَقُوا۟ مِنَ ٱلۡأَرۡضِ أَمۡ لَهُمۡ شِرۡكࣱ فِی ٱلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِۖ ٱئۡتُونِی بِكِتَـٰبࣲ مِّن قَبۡلِ هَـٰذَاۤ أَوۡ أَثَـٰرَةࣲ مِّنۡ عِلۡمٍ إِن كُنتُمۡ صَـٰدِقِینَ  ٤ } الجاثية .

أولا علينا ان نذكركم كما ذكرنا في مقالات سابقة على أن القرآن لا يعترف بكلمة كتابة بصيغة مؤنثة ، بل يعترف بكلمة كتاب بصيغة مذكرة ولو تفتش في كل القرآن لن تجد كلمة "كتابة" بصيغة مؤنثة .. فهنا الآية عندما تقول "أأتوني بكتاب من قبل هذا" فالمقصود بها "أأتوني بكتابة من قبل هذه" .
وهذه الآية تحاول ان تختصر فحوى اقدمية الكتابة التي يدعوا لها القرآن بكونها أول الكتابات التي وجدت على الأرض ، و فيها إثبات على أن الإسلام لم تسبقه لا العبرية التي يدعوا لها اليهود حول انهم يملكون اسبقية خطهم على الخط الحالي الذي كتب به القرآن ، و لا على السريانية و الأرامية و خطوطهم التي يجعلونها تسبق الإسلام و القرآن و تاريخ شعوب و سكات هذه الارض الذين جعلوهم اناس غير مسلمين و لا يتحدثون بلغات منقرضة من خيالهم ... و بالتالي فإنه منطقيا و عقلانيا انت لما تشاهد جل الشعب المصري (٩٥ مليون) كلهم يتحدثون العربية و يدينون بالإسلام و ممن حولهم ٣٥٠ مليون يتحدث بالعربية و يدين بالإسلام ، فستعرف جيدا أن تلك الكتابات المصرية التي اتفقنا على أنها أقدم كتابات الأرض هي نفسها الكتابات التي يدعوا لها القرآن و لا علاقة لها بكل تلك الأساطير و الترجمات المحرفة التي اتى بها المستشرقون و بعثات الغرب .

[كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةࣰ وَ ٰ⁠حِدَةࣰ فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِیِّـۧنَ مُبَشِّرِینَ وَمُنذِرِینَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلۡكِتَـٰبَ بِٱلۡحَقِّ لِیَحۡكُمَ بَیۡنَ ٱلنَّاسِ فِیمَا ٱخۡتَلَفُوا۟ فِیهِۚ وَمَا ٱخۡتَلَفَ فِیهِ إِلَّا ٱلَّذِینَ أُوتُوهُ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَاۤءَتۡهُمُ ٱلۡبَیِّنَـٰتُ بَغۡیَۢا بَیۡنَهُمۡۖ فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ لِمَا ٱخۡتَلَفُوا۟ فِیهِ مِنَ ٱلۡحَقِّ بِإِذۡنِهِۦۗ وَٱللَّهُ یَهۡدِی مَن یَشَاۤءُ إِلَىٰ صِرَ ٰ⁠طࣲ مُّسۡتَقِیمٍ  ٢١٣] البقرة 

[ألم - ذلك الكتاب لاريب فيه هدى للمتقين] البقرة 
ذلك الكتاب الذي يدعوا له القرآن بصيغة اشارة إلى شيئ بعيد "ذلك" هو نفسه الكتابات المتواجدة بمصر التي لا توجد كتابة تسبقها ..التي هي أقدم كتابة في الأرض .

[حمۤ - تَنزِیلࣱ مِّنَ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِیمِ - كِتَـٰبࣱ فُصِّلَتۡ ءَایَـٰتُهُۥ قُرۡءَانًا عَرَبِیࣰّا لِّقَوۡمࣲ یَعۡلَمُونَ] فصلت .
الكتاب هذا كتب به القرآن الكريم الذي بين ايدينا ايضا و قراءته عربية مبينة .
.
.
.
.
.
يتبع .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق