الأحد، 3 يناير 2021

- الذاكرة بين زمن طبيعي و زمن مصطنع ج ١ -

- الذاكرة  بين زمن طبيعي و زمن مصطنع ج ١ - 

واضحة و بسيطة جدا و لا تحتاج أي تعقيد ، عندك مجتمع يسكن داخل أرض غنية بالأثار التي تمثل حقيقة البدايات الأولى للبشرية ، لكن عندما تبحث عن تاريخ هذا المجتمع تجده يملك خلل في معرفة بدايته ، فأي قارئ للتاريخ في المنطقة عندما يريد أن يراجع ذاكرته يواجه صعوبة في معرفة من أين اتى و من خرجت أمته ، يجد تاريخه مضروب بحضارات متفككة و لغات متطورة لا وجود لأي اثر لساني لها في الواقع ، ويجد ثقافته الدينية لاتملك دين واحد فيجد أن تاريخ اجداده هو تاريخ الهات وارباب وميثيولجيا .

عندما ترى الواقع تجد السوري يدين بالإسلام و يتكلم العربية ، و تجد المغربي يدين بالإسلام و يتحدث العربية ،و تجد السوداني يدين بالإسلام ويتحدث العربية ،و تجد المصري يدين بالإسلام و يتحدث العربية، و تجد العراقي يدين بالإسلام و يتحدث العربية ... فمنطقيا و عقلانيا ستصل لنتيجة واضحة مفادها أن جميع هذا الشعب خرج من بؤرة واحدة و بلسان واحد و دين واحد ثم ارتفعت نسبة نموه السكاني وانتشر في الأرض المحيطة ببؤرة بداية انتشاره و خروجه ، هذا هو الواقع و المنطق العقلاني الذي يمثل عين العقل و الحقيقة السليمة... لكن عندما تبحث داخل تاريخ الدراسات الأكاديمية الذي تُكرَّس وتُلقَّن داخل وعي هذا الشعب تجد تاريخ بدايته مع الأرض التي يسكنها هو تاريخ مقسم إلى جغرافيا مقسمة و مبعثرة و لا تملك أي روابط لسانية و لا ثقافة دينية تدل على خروج هذا المجتمع من بؤرة واحدة ، فتجد أن التاريخ القديم لهذا الشعب قد تم تقسيم ذاكرته على حسب الحدود الجغرافية التي رسمت لوقت قريب ، تجد أن هذا الشعب يدرس تاريخ يجعل من كل منطقة يقطن فيها بحسب الحدود الحالية تملك تاريخ حضارة متفرقة تخص شعب مغاير تماما لتاريخ أخوه الذي يسكن جنبه مع أنه لايفصلهما إلا حدود وهمية تتعاداها بخطوة واحدة .

 
 تجد أن تاريخ السوري الذي يسكن جنب العراقي يملك تاريخ مختلف عن أخيه العراقي مع أنه لهما نفس الدين و نفس اللسان في الواقع  ، و تجد أن اليمني الذي يملك نفس اللسان الذي يتحدث به المصري و يملك نفس الدين الذي يؤمن به إلا انهما تاريخيا مختلفين عن بعضهما ، تحس بوجود شرخ تاريخي افقد ذاكرة هذه الشعوب خطّها الزمني الطبيعي و رسم مكانه خطوط متفرعة لاتملك أي رابط .... كيف ذلك ؟

 عندما تقرأ التاريخ تجد أن منطقة سوريا مثلا التي سُيِّجت بحدود سايكس بيكو هي منطقة ظهرت او بالأحرى انفجرت فجأة بحضارة تسمى "الأمورية" و بآلهات يعبدونها (دجن إلاه الحبوب والمطر ، أدد إلاه الطقس و الرياح ، يرخ إلاه القمر ، أمورو ماروتو إله اجتياح المدن وتدميرها) ، تجدهم قوما جعلوهم بلغة منقرضة و لاتملك أي وجود اليوم سوى أن كلماتها خرجت من كتب المؤرخين الغرب و بترجمات وهمية لقطع اثرية لا نعلم عنها أي دليل اثري سوى أنهم قالوا أننا اكتشفنا لوحات اثرية و فككنا كتاباتها ووجدناها تتحدث عن شعب يعبد الهات و يتحدث بلغات منقرضة  .
بالمقابل وغير بعيد عن سوريا تجد منطقة العراق التي سيجت هي الأخرى بحدود سايكس بيكو البريطانية قد جعلوها تتبنى حضارة تدعى السومرية ، وجعلوهم يتبنون فكرة أنهم عبارة عن شعب خرج او انفجر فجأة في تلك الأرض يعبد آلهات مختلفة تسمى الأنوناكي ( انو إله السماء و ابنته إينانا ألهة الحب التي هي حبيبة الاله تموز اله الخصب و الرعي وشقيقها الإله انليل اله الهواء و ابنها اوتو إله الشمش ، وإيرا إله الحرب و سين اله القمر ...الخ من الالهات الوهمية) ،تجده شعب يعبد الهات متعددة بعيدة كل البعد عن واقع الحقيقي و الفطري الذي يعرف الله ، و حتى الآلهات التي جعلوه عبدا لها في التاريخ هي ألهات مختلفة عن جاره السوري الذي يعبد ألهات أخرى، جعلوا أيضا تاريخ العراقي يتحدث بلسان منقرض لاوجود له في الواقع اليوم يدعى اللغة السومرية وانفجرت عنه عدة لغات اخرى منقرضة أيضا ، و في نفس الوقت جعلوه لسان مختلف عن لسان الشعب السوري الذي اخترعوا له لسان وهكي ايضا في ذاكرته .

 
 عندما تبحث غير بعيد عن العراق و سريا تجد تاريخ لبنان قد جعلوه ضمن حضارة تسمى الفينيقية و انهم شعب كان يتحدث لغة منقرضة تدعى البونية الفينيقية و انهم كانوا يعبدون آلهات مختلفة ( إيل المسن ، بعلة جبيل الأنثى ، الإله الفتى أدونيس، بعل صيدون المسن ، اشمون الإله الفتى والذي يحتفل بموته وببعثه كلَّ سنة ، إله السماء بعل شميم ، عشترت أم الآلهة والبشر والنبات، اله ملقارت الفتي الشاب سيد المدينة وملكها ) فتجد انه جعلوه يعبد ميثيولوجيا و خرافات ظهرت فقط قي عقل المؤرخ الاوروبي و اسقطها على تاريخ المنطقة هناك ، و بالمقابل عندما تبحث عن فلسطين الحالية تجدهم جعلوها تتقمص حضارة تدعى الكنعانية لأناس يتحدثون لغة كنعانية و يتحدثون لغات منقرضة كباقي الحضارات الأخرى كما لا ننسى ربطهم لها بظهور اليهود و احتكاكهم بهم كباقي الحضارات الوهمية التي تجعل من اليهود شعب موجود في تلك المخيلة التاريخية .

 
 تبحث في اليمن تجدهم جعلوها تملك طابع قريب من الإسلام و العربية بشكل يجعلهم يغطون عن تحويرهم للزمن الطبيعي لهذه المنطقة وباقي المناطق ، فتم تسمية حضارتها الأولى بإسم "سبأ" كمنطقة نشأت فيها حضارة سبأ المذكورة في القرآن و جعلوها تتقمص هي الأخرى اديان تدين بآلهات متعددة و جعلوا شعبها هم شعب يتحدث لغة منقرضة تتطور كل مدة زمنية وصولا للعربية الحالية ..في مصر تبحث تجدهم ألّفوا عن كتاباتها ترجمات تتحدث عن عشرات الآلهات التي قالوا عنها "المصريين القدماء عبدوها"، و جعلوهم يتحدثون لغات منقرضة لايمكنك حتى نطق ثلاث كلمات متتالية مع بعضهم إن قرأتها و اطعموا نفس التاريخ بربطه مع الأقلية القبطية التي تسكن مصر ليجعلوها تحمل مسميات "إيجيبت" ويربطوا هذا الإسم مع "قبط" ..

 عندما تبحث في شمال إفريقيا تجدهم جعلوها منطقة ذاكرة تاريخها الأول هو تاريخ بربري تحت مسمى "الأمازيغ" و تجد روايات اخرى تجعلها منطقة انتشر فيها الفينيقيون قادمين من شرق المتوسط و انتشروا بها ، مع أنك لو تبحث في الواقع ستجد أن ٩٠% من شعب شمال افريقيا يتحدث العربية و ١٠٠% كلهم يدينون بالإسلام ، حتى مسمى الأمازيغ الذين جعلوهم يعتنقون هذه الكلمة بمؤلفات غربية(فرنسية) تسعى لصناعة البلبلة واختلاق هويات متصارعة ، ستجد أن جل كلامهم ينطق على مسميات عربية يتم اضافة حروف لها او تحويرها بشكل بسيط ويروجون ذلك الإختلاف البسيط على أنها لغة منفصلة تخص قومية منفصلة .... وبالمقابل تجد الرواية تحاول أن تستند إلى أن العربية و القرآن ظهر مع قصة الفتوحات التي تجعل أن هناك جماعة أتت من السعودية قبل ١٤٠٠ سنة و جاء معها اناس يتحدثون العربية و نشروا العربية .

 من خلال ماسبق تعرف أن هناك ذاكرة تم اختلافقها بنسق مغاير ومختلف عن الواقع الطبيعي الذي سار عليه زمن هذه الأرض ، فكل الشعوب في المنطقة جعلوها تظهر تاريخيا بمظهر عشوائي و تلقائي و في نفس الوقت تظهر بمظهر الإستقلال المفكك عن بعضه و الذي يتلائم مع نفس الحدود الجغرافية التي بدأت مع الإحتلال الحديث ، خصوصا عندما نعلم أن كل من ألف تاريخنا القديم و بدأ بتفكيك ودراسة مخطوطاتنا هم نفس المؤرخين الذين ينتمون إلى نفس دول الإحتلال (بريطانيين ، فرنسيين ، إيطاليين ..) ، فتم سكب المؤلفات التاريخية التي تتحدث عن حضارات متفرقة بلغات و أديان مختلفة على شعوب تقطن اليوم حدود جغرافية تم اختراعها لوقت قريب ، فمصر جعلوا بدايتها مع شعب مستقل في دولة أسموها إيجبت و كميت و اليمن جعلوا بداية شعبها مع حضارة تسمى السبإية و العراق جعلوا بداية شعبها مع شعب يدعى السومريين و سوريا جعلوا بدايته مع حضارة تسمى الأموريين و لبنان جعلوا بدايته مع حضارة تسمى الفينيقيين و فلسطين جعلوا بدايته مع حضارة تدعى الكنعانيين ... لكنهم بالمقابل جعلوا الإسلام و العربية هم ظتهرة ظهرت فجأة مع جماعة خرجت من صحراء السعودية و نشرت الإسلام و العربية ، فتجد أن كل وعي الناس في المنطقة اصبح معلقا بأنهم خرجوا بشكل مفاجئ من السعودية و يتعالى الصياح بالمؤلفات التي تجعل كل تاريخ المنطقة هو تاريخ حضارات مفككة ظهرا في اماكن متفرقة و تصارعت فيما بينها بلغات و الهات مختلفة  ، لكن الشيئ الوحيد الذي جعلوه ثابت في كتبهم تلك هو أن اليونان و اليهود كانوا موجودين ، فتم سحب الواقع الذي لديهم اليوم و الصقوه بالذاكرة و التاريخ القديم فيما جعلوا واقعنا الذي نملكه اليوم غائب عن تاريخ ارضنا .

 من المستحيل أن لايكون هناك نسق و بداية موحدة للأمة الحالية التي تملك دين واحد ولسان واحد .. المنطق العقلاني يرفض رفضا قاطعا أن يكون الناس قد خرجوا فجأة في بقع مساحة شاسعة و بلغات و ثقافات دينية مختلفة دون أن يكون هناك تجمع بشري أول و أصلي نبع منه التجمع الأول و انتشر في المعمورة ....[الله ربكم و رب أباءكم الأولين] 
.
.
.
.
.
.
.
.
يتبع...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق