الثلاثاء، 24 يناير 2023

● ما علاقة عيسى عليه السلام بالليل إذا عسعس ؟! ●



نحتاج أن نتعامل مع التماثيل بجانب تحليلي ، فالتماثيل ليست مجرد مادة جمالية مثلما يتم ترويجه و ترسيخه من قبل المرشدين السياحيين ، الجانب الجمالي شيئ جيد لكن مهمته فرعية و ليست كاملة فدورها هو جذب الناظر و المشاهد للتمثال و كذا ترسيخ فرضية الحفاظ عليه كتحفة غير قابلة للإهمال ، فلو كان التمثال بشكل غير جميل سيأتي يوم في المستقبل ينساه الناس و ليعثر عليه كمادة أثرية غير قابلة للاحتفاظ كونها لا تمثل أي جانب جمالي على الأقل. 


الجانب التحليلي هو الجانب الأكبر و الرئيس و الذي يمثل مرحلة القراءة للتمثال ، فالتمثال مثله مثل الكتابة فهو عبارة عن شكل منحوت و مصقول يتم تصنيعه ليؤدي دور توصيل رسالة معينة ، فمثلما الكتابة تؤدي دور توصيل الكلام المنطوق ليعبر عن فكرة معينة ، فكذلك التمثال هو عبارة عن فن تشكلي تمثيلي يمثل رسالة معينة يوصلها عن طريق تحليل شكله الذي نحت و مُثل به .


دعونا نتدبر مع شكل التمثال المرفق في الصورة أدناه لنقرأه و نعرف ما هي الرسالة التي يريد توصيلها ؟ فالتمثال وجد في مصر في إحدى المقابر التي وجد فيها تمثال ما اسمته بعثات الغرب بإسم توت عنخ أمون .... دعونا نتجرد من كل الكلام الغير المثبت و الغير مقنع و نحلل التمثال بشكل فطري و طبيعي .


أولا ، التمثال يمثل دور شخصية و بالتالي يلزم علينا معرفة من هذه الشخصية ؟


لمعرفة هذه الشخصية يجب تحليل كل جوانب التمثال ... 


١ . علاقة هذا الشخص الليل :

فالتمثال يأتي بلون أسود بارز بين سواد الأرض التي يمشي عليها شخص التمثال برجليه و كذلك لون جسده الذي جعل بلون أسود قاتم و لافت ... و بالتالي فإن التحليل للمنطقي لاستعمال هذا اللون هو إيصال رسالة تتعلق بالليل الذي يختص بالظلام الأسود ... و هذا دليل أن الشخص له ارتباط بزمن الليل .


٢ . استعمال أدوات الحراسة :

التمثال يظهر بيده اليمنى يحمل عصى صغيرة مقدمتها مكورة و غليظة ، و هي تشبه مايسمى الهراوة أو العجرة .. و بالتالي هذا يدل أنها اداة حماية ليلية ، فالليل كما هو معروف هو زمن مضهور بكثرة الجرائم و اللصوصية كون الناس غافلين غفلة النوم ، و بالتالي فإن هذه الشخصية تؤدي دور حراسة ليلية إذا ما تذكرنا أن نفس التمثال يوضح أنه في زمن الليل .


٣.استعمال عصى ارتكاز طويلة :

العصى التي يرتكز عليها هذا الشخص في التمثال تدعوك للتساءل ، فهو يظهر أنه شخصية فتى لازال يتمتع بشبابه فمالذي يجعله يعتمد على هذه العصى الطويلة و الغريبة ،فهي في شكلها تشبه أنها مع كل مشية يمكنها ان ترشق في الأرض و يتم الإرتكاز عليها باليد ... و الحقيقة أن هذا المشهد إذا أقرنته مع زمن الليل سيذكرك بآية قرآنية تقول " إن ناشئة الليل هي أشد وطئا و اقوم قيلا" .. و كما هو معروف فإن الليل متعب أكثر من النهار و كثرة السهر فيه تجعل الإنسان يحس بالخمول و يتعب ، فالنهار بضياءه يجعل الإنسان يتحفز للعمل اليدوي أكثر من الليل.. فكذلك فإن المشي الليلي (وطئ الرجلين) متعب ، و بالمقابل فإن كلام الليل مفيد و مسموع كون الناس تكون هادئة و قابلة للإستماع (أقوم قيلا) ... و بالتالي فإن الشخص يرتكز على تلك العصى الطويلة للدلالة على أنه يسهر جزء كبير من الليل و كونه يتعب من القيام فلقد استعمل الفنان التمثيلي تلك العصى للدلالى على ارتكاز الشخص عليها و الحفاظ على طاقته من الخمول .


 ٤ . المشي بالرجل اليسرى :

أكيد ان الفنان الذي مثل التمثال بأن الشخص يمشي برجله الشمال قبل اليمين له هدف و ليست حركة اعتباطية ، و كما هو معروف فإن الخطوة اليمين تدل على الأمن و ان الإنسان في وضع طبيعي و فطري ، أما تورية الجانب الشمال يسبق اليمين فهو يدل على أن الشخص حاسس بخطر نوعا ما و يحس بحذر في خطواته ... و بالتالي فإن التفسير المنطقي لهذه الوضعية هو الدلالة ان هذا شخص في وضعية تفقد للأجواء من أجل الحراسة و المراقبة .


الآن بعد هذه الملاحظات و التفسيرات .. فمالذي يمكن أن نستنتجه من شخصية مرتبطة بالليل و تحرس ؟ حارس ليلي .


في العربية حراسة الليل تسمى بإسم غريب لازلنا نتداوله في لساننا الشعبي داخل منطقتي "عس" ، فنقول على الذي يحرس ليلا عساس ، و هو موجود في قواميس العربية ... كما أنه و من خلال بعض الأصدقاء وجدت أن هذه الكلمة مرتبطة بنعت الشخص الذي يبحث عن أشياء ضائعة ليلا .


و لو بحثنا كذلك في القرآن سنجد أن وصف الليل مربوط بالعسعس ( عس + عس ) .. ( و الليل إذا عسعس و الصبح إذا تنفس ) .


نشير أيضا إلى أننا نلاحظ ان صرصور الليل يشبه في صوته الذي يطلقه صوته العسعسة ( عسعسعسعس ) ، فهو صوت مميز عندما نسمعه نتذكر الليل ، فهذا الصوصور لاينام ليلا و كأنه حارس لليل .


فما علاقة إسم "العس" الذي يشير له التمثال مع الشخصية المراد توصيلها ؟ و أكيد ان هذه الشخصية تمثل شخصية بارزة و مقدسة لدى الشعب الذي صمم هذا التمثال .


أعتقد أن الجميع عندما يسمع إسم النبي "عيسى" سيربطه مباشرة مع كلمة "عس" ، فاشتقاق الكلمة له علاقة به (عيسى = عس ) .


فهل شخصية عيسى لها علاقة بالعس أو الحراسة الليلة ؟ 


نعم ، فالتمثال يمثل شخصية عيسى ، و قد سمي بهذا الإسم نسبة إلى عدة أسباب :


ارتباط شخصية عيسى بالحراسة ليلا ، و المكان الذي كان يسهر ليلا بجنبه هو الهرم .. فلو تلاحظ ان ثياب التمثال معمولة بشكل الحرم .


ارتباط هذه الشخصية بالتقصي و البحث ليلا ، فالليل يعتبر الزمن الملائم و المريح لطلب العلم و البحث و التقصي ، كون الهدوء المرتبط به يجعل الإنسان يركز و يسرح في التفكير ... كما أننا نجد ان كلمة عس هناك من يعتمدها في اللهجات المحلية للدلالة على البحث و التقصي عن شيئ ما ليلا .


هناك من يقول أن كلمة "عيسى" يمكن ان ترتبط مع كلمة "عسى" و التي نستعملها للدلالة على كلمة "لعل" .. فكلمة عسى جاءت كذلك من العس أو سهر الليل ، لأن سهر و قيام الليل دون نوم مرتبط باتخاذ القرارات المهمة و يجعل قرار الغد يمكن ان يتغير و لذلك تجد آية قرآنية تربط مرور الليل و طلوع الصباح بتغير القرار (أوليس الصبح بقريب) ... ف"عسى" مرتبطة بتغير الحال بين نهار الأمس و الغد خلال اتخاذ القرار بالليل ، و سهر الليل يمكنك من اكتشاف أشياء كانت غائبة عنك بالنهار ، و قد تم استخدام هذه الكلمة تأصيلا من هذه الوضعية و أصبحت تعني "لعل" .


إذا كانت شخصية عيسى تمثل في الثقافة الدينية لمصر و من حولها شخصية قدسها النص الديني التي يؤمن به شعوب هذا الأرض ، و إذا كان تأصيلها مرتبط بكلمة "العس" ، و إذا كان التمثال يوضح ما يعنيه سهر الليل و الحراسة فيه ... فإنه يقينا هذه الشخصية الممثلة بالتمثال تمثل شخصية النبي عيسى عليه السلام ... فعيسى لم يعش كل عمره صبيا في المهد طبعا .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق